(الخطأ الخامس والعشرُون) في العلّة الفارقة: جاء في الجواب: (فأتُوا بفرق بين تكفير المسلم لتأويل أو جهل، وبين الحكم بإسلام الكافر المنتسب، للعلّة ذاتها، فرقاً تقُومُ به الحجّة يوم يقوم الناسُ لربِّ العالمين) الجواب: (أولا) العلّةُ الفارقة بين التأويلَين هي "نوعُ الجهل ومرتبتُه"، إذ ليس الجهلُ بحكم شرعيٍّ كالجهل بأصل الدِّين. والمسلمُ المتأوِّل الَّذي كفّر مسلماً بتأويل، قد جهل حُكماً شرعيّا، ولم يجهل التّوحيد. امَّا الَّذي حكم بإسلام الكافر المنتسب، العابد لغير الله، فقد جهل التّوحيد، الَّذي هو أصلُ الدِّين. (ثانيا) إنَّ المعدُودين في المسلمين صنفان: هما مُؤمنُون ومُنافقُون. واللهُ عزَّ وجلَّ يأمرنا بموالاة المُؤمنين، ويُحذّرُنا من موالاة المنافقين، والثقّةِ بهم، فقال عن المؤمنين: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا﴾ (المائدة:55) وقال عن المنافقين:﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ (المنافقون:4) وهذا الأمر بالحذر من المنافقين، يُؤدِّي إلى أن يُخطئ بعضُ المسلمين، ويرموا مسلما بنفاق، وهم في ذلك معذورُون، لأنّهم ينطلقُون من قاعدة صحيحة، وإن أخطؤا الحكم الصحيح في بعض الأحيان، واعتدوا على بعض الأعيان، لشبهة ظهرت لهم. وكان هذا الرميُ بالنّفاق يقع في مجلس النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّم، فلا يُعنِّفُ على الرّامي، وقد فعلهُ ذلك عمر رضي الله عنه لما قال عن حاطب وقد أفشى سرّ النبي صلى الله عليه وسلم "دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ".(البخاري) وفعله معاذ بن جبل، وغيره رضي الله عنهم. ولذلك أجمع المسلمُون على أنَّ من كفّربعض المسلمين لتأويل سائغ أنَّهُ لا يَكفرْ. (ثالثا) إنَّ المعدُودين في المشركين المظهرين لشركهم، ليسُوا صنفين، صُنفٌ نعاديه، وصنفٌ نواليه، وإنَّما هم صنفٌ واحدٌ، أُمرَ بالبراءة منهم، وتكفيرهم، ومعاداتهم. فليس هناك شُبهةٌ تجعلُ المسلم يُخطئُ في حكمهم، ويشكُّ في حقيقة أحدهم، وهل هو من الصّنف الذي أمِر بمعاداتهم، أم من الصنف الآخر. فقد حسم اللهُ شأن المشركين، فلا يُواليهم إلا أحد رجلين: جاهلٌ بالتَّوحيد ليس عندهُ ما يُفرِّقُ به بين أهل التَّوحيد وأهل الشرك، وصاحب هوى يشمُّ من البراءة منهم خسارة الدنيا، وذهاب الأهل والمال. قال الإمام ابن تيمية: "فإن المؤمنين أولياء الله، وبعضهم أولياء بعض؛ والكفّار أعداء الله، وأعداء المؤمنين. وقد أوجب الموالاة بين المؤمنين، وبيَّن أن ذلك من لوازم الإيمان، ونهى عن موالاة الكفّار، وبيَّن أن ذلك منتفٍ في حقّ المؤمنين، وبيّن حال المنافقين في موالاة الكافرين". (الفتاوى:28/190) ولو كان شأنُ المشركين كشأن المسلمين، لأجمع المسلمُون على أنَّ من والى مشركاً مُظهراً لشركه لتأويل سائغ، أنَّهُ لا يَكفُرُ، كما أجمعوا على أنَّ من كفّر بعض المسلمين لتأويل سائغ أنَّهُ لا يكفُر. وكفى بهذا فرقاً تقُومُ به الحجّة يوم يقوم الناسُ لربِّ العالمين.