(الخطأ الخامس عشر) في تكفير الحجاج: جاء في الجواب: (هذا وقد اشتهر اختلاف السلف الصالح في تكفير الحجاج بن يُوسف، وقد كان كافرا بالله، مؤمنا بالطاغوت ولم يُكفِّر بعضهم بعضا في عدم تكفير الحجاج) . والجوابُ: الحجّاج بن يوسف اشتهرَ بسفك الدّماء المُحرَّمة، ولا شكَّ أنَّهُ كان ممّن ثبت إسلامُهُ، وقد صلّى خلفهُ بعضُ الصحابة، ولم يُحاكمهُ أحدٌ في الكُفر بالله، بل مات وهو أميرٌ على العراق والمشرق الإسلامي، ولكن ذكر بعض علماء التّابعين -خاصّة بعد موته- أنَّهُ كان كافراً، وأنكرهُ آخرُون وقالوا: الله يفعلُ به ما يشاء. ولم يُكفِّر العلماء بعضهم بعضا، في عدم تكفير الحجّاج، لأنّهم كانُوا مُتَّفقين في إسلامه من قبلُ، وكانُوا كذلك متَّفقين على أنَّ الإيمان بالطاغُوت يهدمُ الإسلام، ولكنَّهم إنَّما اختلفُوا في: هل ثبت هذا الكُفر في هذا الشخص المُعيَّن، أم إنَّ فيه تحاملٌ عليه للبغض الشّديد الذي في قلوب غالب النَّاس. فلا تصلحُ مسألة الحجَّاج للاستدلالِ بها، في جواز الاختلاف في العابد لغير الله، المُظهر لشركه. وقد لخص الإمامُ ابنُ كثير هذه المسألة، فقال: "وأما المبيرُ فهو الحجّاج بن يوسف هذا، وقد كان ناصبيا، يبغض عليا وشيعته، في هوى آل مروان بني أمية، وكان جبارا عنيدا، مقداما على سفك الدماء، بأدنى شبهة، وقد رُوِى عنه ألفاظ بشعة شنيعة، ظاهرُها الكفر، كما قدمنا، فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يُخشى أنها رُويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشّيعة كانوا يبغضونه جدا لوجوه، ورُبما حرَّفُوا عليه بعض الكلم، وزادُوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات. وقد روينا عنه، أنه كان يتديّن بترك المسكر، وكان يُكثر تلاوة القرآن، ويتجنَّبُ المحارم، ولم يشتهر عنه شيءٌ من التّلطّخ بالفروج، وإن كان متسرّعا في سفك الدّماء، فالله تعالى أعلم بالصّواب، وحقائق الأمور وسائرها، وخفيات الصّدور وضمائرها. قلت: الحجّاج أعظم ما نُقم عليه، وصحَّ من أفعاله، سفكُ الدماء، وكفى به عقوبة عند الله عزّ وجلّ، وقد كان حريصا على الجهاد، وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يُعطي على القرآن كثيرا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلّا ثلثمائة درهم، والله أعلم". (البداية والنهاية)