(الخطأ الثاني) في الإيمان الواجب: جاء في الجواب:(هذا حُكم بأنَّ ما سواها ليس من أصلِ الدِّين، وإن كانت من الإيمان الواجب) والجوابُ: إنَّ هذا الخطأ سببُهُ أيضاً فُقدان التّصوُّر الصّحيح عن الإيمانِ، الَّذي قلنا أنَّهُ أصلُ الدّين. فيبدُوا من هذا الإعتراض، أنَّ صاحبَهُ ظنَّ أنَّنا نقصُدُ من قولنا: "أصلُ الدِّين هو: الإيمانُ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر"، أنَّ التلفظ والإقرار بهذه الأصُول يكفِي، وأنَّ من أقرَّ بها فقد نجا في الدُّنيا والآخرة. وليس الأمرُ كذلك، كما يظهرُ لك من التّقريرات الآتية: 1) إنَّ "الإيمان بالله" قولٌ وعملٌ ونيَّةٌ، فمن أقرَّ بالإيمان والتَّوحيد، وشهد بأنَّهُ مُصدِّقٌ لكلِّ أصُول الإيمان، إذا قال لستُ مُستعدّاً لتلقِّي الأوامر والنّواهي من الرّسُول، ولا أطيعُهُ في شيءٍ، أو في بعض الأشياء،.. إذا قال ذلك لا يُعتبرُ مُؤمنا أو مُسلما بالإقرار، لأنَّ الأعمال التي هي فعلُ الواجبات، وترك المُحرَّمات، من الإيمان. 2) إنَّ الكافر قد دُعيَ إلى الإيمان بالله وحدهُ، وكان هذا الإيمان المطلوب منه، أن يعبد الله وحدهُ، ويُخلص الطاعة لهُ، فكان قد علم قبل إسلامه، أنَّ إعلان الإسلام يقتضي أنْ يُطيع الله طاعة مطلقة، ويكفُرَ بطاعة الأنداد والطّواغيت، والأحبار والرُّهبان. فإن رضي بالتَّوحيد بعد ذلك، فقد رضي بالإيمان الواجب، من فعل الواجبات وترك المُحرَّمات. فمن قال: أنا أومنُ بالتّوحيد، ولكن لا أصلّي ولا أزكّي ولا أصُومُ ولا أحجُّ، ولا أفعلُ واجبا، ولا أدعُ مُحرَّما، قيل لهُ: "لستَ مُؤمنا بالتّوحيد، ولم تترُك عبادة الشيطان بعدُ". 3) إنَّ الكافر قد دُعيَ إلى الإيمان بالرّسُول، وبالرّسالة التي جاء بها، وقد عَلم وهو في كُفره أنَّ من اتَّبع الرّسُولَ، وجب عليه اتِّباعُ الكتاب، وامتثالُ أوامره، واجتنابُ نواهيه. فمن قال: أنا أومنُ بالرّسُول وبالكتاب، ولكن لا أصلّي ولا أزكِّي ولا أصُومُ ولا أحجُّ، ولا أفعلُ واجبا، ولا أدعُ مُحرَّما، قيل لهُ: "لستَ مُؤمنا بالرّسُول ولا بالكتاب". 4) إنَّ أصلَ الدّين الّذي هو: "الإيمانُ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر"، يكُونُ جاهله ومُكذّبه كافراً، أمَّا الإيمان الواجب، فإنَّ مُكذّبه كافرٌ، وجاهله قبل بلوغ الخبر إليه معذور، فقد كان الصّحابة مُؤمنين قبل أنْ تُنَزَّل أكثرُ الفرائض. وكذلك كانت الفرائضُ تنَزَّلُ فلا تجبُ على الغائبين حتّى يبلغهم الخبر. جاء في كتاب "تعظيم قدر الصّلاة" للمروزيّ، مبيِّنا مذهب أهل السنَّة:" قالوا: ولما كان العلم بالله إيمانا، والجهل به كفرا، وكان العمل بالفرائض إيمانا، والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر وبعد نزولها من لم يعملها ليس بكفر لأنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد أقرّوا بالله في أوّل ما بعث الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم إليهم، ولم يعملوا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم ذلك كفرا، ثم أنزل الله عليهم هذه الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانا، وإنّما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا، وبعد مجيئ الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين، لم يكن بجهلها كافرا، والجهل باللّه في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر" (تعظيم قدر الصّلاة والفتاوى:7\317) قال الإمام ابنُ تيميّة: "فإنّ الإيمان بوجوب الواجبات الظّاهرة المتواترة، وتحريم المحرّمات الظّاهرة المتواترة: هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدّين والجاحدُ لها كافرٌ بالاتّفاق، مع أنّ المجتهد في بعضها ليس بكافر بالاتّفاق مع خطئه". (الفتاوى:12\433) 5) والتّكفيرُ بتركِ الإيمان الواجب، هو في حقِّ من جحد أو كذَّب أو ادَّعى الجهالة لمعلُوم من الدّين بالضّرُورة، وهو من أهل دار الإسلام، أو المُمتنع المقاتل الّذي يأبى الانقياد، كمانعي الزكاة. أمّا مجرَّد الوقُوع في المخالفة والحرام، فلا يُكفَّرُ بذلك عند أهل السُنَّة كما هو معلوم.