(الخطأ الثاني والعشرُون) فيما يُحصّلُ الايمان: جاء في الجواب: (والمقصُود: الفرق بين ما يُحصِّلُ الإيمان، وبين ما يُبطلُ الإيمان، وكان عليه السلام يعرضُ عليهم عند الدخُول في الإسلام ما يحصُلُ به أصلُ الإيمان دون ما يُبطلهُ، ألا ترى أنّهُ لا يُبيِّنُ لهم ما يُوجبُ الردَّة، ويُبطلُ الإيمان مثل إلقاء المصحف في القاذورات، وتبديل معاني الآيات، ونحو ذلك مما يُوجبُ الردَّة، ولم يُبيِّن لمن كان يأتيه يُسلمُ شيئا من ذلك لأنّ المقصُود حاصلٌ بمعرفة الأركان دون المفسدات.) والجوابُ: يُمكنُ أن يُؤخذ من هذه الكلمات، بعض المفاهيم الخاطئة، سواء قصدها كاتبها، أو لم تكُن من مقصُوده. ومن ذلك: (أوّلا) أنَّ التكلُّم بالشّهادين كان يحصُلُ بهما الإيمان، في زمن النَّبيِّ عليه الصّلاة والسّلام، وإن كان المتكلّمُ مُعتقداً للشّرك الأكبر. وليس هذا بصحيح، بل كان الكفّارُ في زمنه قسمين: (الأوّل) أهل أوثان: وكانُوا يُدركُون أنَّ قبُول كلمة الشهادة، يلزمُ منها تركُ الآلهة الباطلة التي كانُوا يعتقدُونها. ولذلك كانُوا يردُّون الدعوة بما ذكر في القرآن من أقوالهم، مثل: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ. وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ (الصافات: 35-36) ﴿أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ (ص:5) ومن أسلم منهم لم يكُنْ يبقى مُتعلّقاً بما كان يعبُده من دون الله، لعلمه بأنَّ الإسلام المطلوب هو أن تعبُد الله ولا تُشرك به شيئاً. (الثّاني) أهل الكتاب: وكانوا يقولون: "لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ" وهم ينكرُون نبوَّة النبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، فلم يكن يحصُلُ بشهادتهم أصلُ الإيمان، حتى يُؤمنُوا بأنَّ محمدا رسُول الله. (ثانيا) أنَّ الداعية المسلم،لا يطلبُ من أهل الشّرك، غير التلفظ بالشّهادتين، وأركان الإسلام، وإن وجدهم يُشركُون بالله، ويستهزؤن بكتاب الله. وليس هذا بصحيح، فإنَّ أهل الشرك يُطلبُ منهم، البراءةُ من الشّرك، وممن يفعله، وبكسر الأوثان، وبطاعة الله ورسُوله في كلِّ شيء، وكُلُّها من معنى "لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ". وقد قال النبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم لعمرو بن عبسة في لقائه الأوّل: "أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وَأَنْ يُوَحَّدَ الله لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ" (مسلم) وقال لآخر: "لا يقبل الله عن مشرك بعدما يسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى المسلمين". (أحمد، والنسائي) ولما سأل هرقل أبا سفيان -وهو على شركه- ماذا يأْمُرُكمْ؟. أجابه بقوله: "يَقولُ اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ ولا تُشْرِكوا بهِ شيئاً، واتْرُكوا ما يَقولُ آباؤُكمْ. وَيَأْمُرُنا بالصلاةِ والصِّدْقِ وَالعَفافِ والصِّلَة". (البخاري).