(الخطأ الثالث والثلاثُون) تخفيف جريمة الصدِّ عن الحقِّ: من قرأ ما جاء في الجواب، يظهرُ لهُ أنَّ كاتبها يرى أنَّ الباعث على عدمِ تكفير أهلِ الشركِ هو الاجتهاد وطلب الحقيقة، ويرى أنَّ لهم عُذراً، وإن كان فيهم قصُور في النّظر. وفي هذا الحصر خطأ كبيرٌ، فيه تخفيف لجريمة الصدِّ عن سبيل الله، الّتي يرتكبُها بعض من يدَّعِي العلمَ. فإنَّ الَّذين يُدخلُون قوماً يُظهرُون الشّرك الأكبر، في حظيرة الإسلام، مع شهادتهم عليهم بالشّرك الأكبر، وعلمهم بحكم الكتاب، لا يكُونُ علمُهم بشرك المشركين عُذراً مُخفِّفاً لجريمتهم، بل هم شرٌّ من الجاهلين الَّذين لا يدرُون أنَّ هذا شركٌ وكُفرٌ بربِّ العالمين. إنَّ هؤلاء يقعُون في كُفر التّكذيب من عدَّة أوجُه: (الأوّل) عارضُوا تقسيم الله لعباده إلى مسلمين ومشركين ومنافقين، حيث أحدثُوا صنفاً رابعاً وسمَّوهُ بـ"المُشرك المُنتسب"، أو "المُشرك المعذور"، أو "المُسلم الجاهل"، او "المسلم القبُوري، أو العلماني". وليس هذا في كتاب الله. ثُمَّ عاملُوهُ بعد تسميته بـ"المُشرك المُنتسب"، كيفما يشاؤن، تارةً عدُوّاً، وتارة وليّاً. مرَّة يُغلّبُون جانب الشّرك والوثنيّة والإلحاد، فيُعلنُون عليه الجهاد، ويقتلونهُ. ومرَّة يُغلّبُون جانب الإسلام فيُصلُّون خلفه، وعليه، ويأكُلُون ذبيحته، ويُبدِّعُونَ من كفَّره. وهذا تلاعُبٌ بالكتاب، وتغييرٌ لأحكامه، وتحريفُ الكلم عن مواضعه. (الثاني) يعلمُون أنَّ الأخوّة الدّينيّة لا تنعقدُ بين مُسلم ومُشرك، حتى يتُوبَ المُشركُ من الشّركِ، ويقرؤُن قولهُ تعالى:﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (التوبة:11)، ثُمَّ يُقرُّون بإسلامه مع شركه الَّذي لم يتُبْ منه، ويقُولُون: "المسلمُ أخُو المُسلم". (الثالث) يعلمُون براءة رُسُلِ الله من المُشركين، وتكفيرهم إياهم، وإظهارهم العداوة والبغضاء لهم، ثُمَّ يُوالُون قوماً يشهدُون عليهم بالشّركِ. وإن سُئلوا: هل الرّسلُ عليهم السلام كانُوا بريئين من جميع أهلِ الشّركِ، أم من بعضهم؟، قالوا: "بل من الجميع". فاستحلُّوا مُخالفة ملَّة الأنبياء على علمٍ.