(الخطأ التّاسع عشر) في شرُوط وموانع التكفير: جاء في الجواب: (.... وإنَّما في تكفير من لم يُكفِّرهُم لقيام مانع، أو انتفاء شرط عندهُ...الى أن قال: ولكن تكفير الأعيان والطوائف يحتاجُ إلى شرُوط وموانع). والجوابُ: قاعدةُ "توفُّر شروط التكفير، وإنتفاء موانعه"، يُساءُ فهمها، ويُساءُ استخدامها كذلك. إنَّ هذه القاعدة تخصُّ أفراد المجتمع الَّذين ثبت إسلامُهُم بيقين، لأنَّ من ثبت إيمانُهُ الظّاهر بيقين لا يزُولُ إيمانُهُ بالشكِّ. فمن قيل عنهُ: إنَّهُ قد كفر، وجب التثبُّت في أمره، ومعرفة: هل القولُ أو الفعلُ ممّا يُوجبُ الكُفر، وهل هو عاقلٌ أو مجنُون، وهل هو مُختارٌ أو مُكرهٌ إلى آخره. والطّائفة كذلك إذا كان قد ثبت إسلامها، لايجوز القول بزوال إيمانها بالشكِّ. أمَّا الطّائفة الممتنعة التي تظهرُ الكُفر، وتكُونُ لهم الغلبة في بلادها، فإنَّ دارها دارُ كُفرٍ، ويجبُ على المسلم القادر أن يُهاجرَ منها، إذا لم يقدر على إظهار دينه. ومثل هذه الطّائفة لا يُقالُ -وإن كانت من أهل الانتساب- يجبُ تطبيق قاعدة "توفُّر شروط التكفير، وانتفاء موانعه"، في حقِّ كُلِّ فردٍ منها. ولذلك لم يقلْ بها الصحابة في حُروب الرّدَّة، ولم يكُونُوا يقُولون: يجبُ سُؤال كلِّ شخص بعينه، هل ارتدَّ أم لا، وإنّما كان يكفيهم إعلان السّادة والرّؤساء، وبقاء العامّة في طاعتهم. وكان يحدث أن يرتدَّ بعضُ القبيلة، ويثبتَ البعضُ على الإسلام، فكان أبوبكر يُعينُ من ثبت، ويأمرهم بجهاد من ارتدِّ، ولم يكن يقُولُ لهم: لا تقتلوا من أهل الرّدَّة إلاّ بعد توفُّر الشّروط وانتفاء الموانع. إنَّ الطّائفة أو الأمَّة التي تُظهرُ قادتُها الكفرَ، وتُطاوعها العامَّة، لها حُكم الكُفر، ويجبُ قتالها، إذا كان للإسلام قُوَّة، وإلّا وجب إظهارُ الإسلام بدعوة الناس إلى الحقِّ، ووجبت البراءة منهم، ومن كُفرهم، كما هي ملّة الأنبياء. ومن الأخطاء الَّتي ترتَّبت من استخدام هذه القاعدة في غير موضعها ما يأتي: 1) وُجد من يقُولُ: نحنُ في دار كُفرٍ، ولا نعتقدُ كُفرَ أحدٍ فيها، إلا من كفَّرْناهُ بعد توفُّر الشّروط وانتفاء الموانع. وذلك مع كونهم ليسُوا بقضاة، ولا أصحاب سُلطان. 2) نتج من هذا التّذبذب، أنَّهم إذا أحسُّوا بأنَّ لهم قوَّة قاتلوهم قتال الكُفّار، وإذا انهزمُوا اندمجُوا فيهم، يأكلون ذبائحهم، ويُصلُّون خلفهم، ويتزوَّجُون من نسائهم، ويُبدِّعُون من لا يفعلُ فعلهم. 3) أن يُخالفوا المنهج الصّحيح في التّعامل مع الطّوائف الكافرة، ألّذي هو البراءة منهم ومقاطعتهم، وأن يستمرَّ ذلك في جميع الأجيال. وسببُ المخالفة سُوءُ الفهم لهذه القاعدة. فالصُّوفية الوثنية التي كان حُكمها معلوماً في زمن ابن تيميّة، صارت عندهم من المسلمين الذين يُراعى فيهم قاعدة توفُّر الشّروط وانتفاء الموانع. ومن العجب أنَّ بعضهم إذا سُئل: لماذا تعادي أهل التَّوحيد والبراءة؟، أجاب: جاء الحديث بقتلهم، وقتلهم عليٌّ. وإن سُئل: لماذا لا تُكفِّرُ أهلَ الشرك وقد جاء القرآنُ بتكفيرهم وقتلهم؟، أجاب: يقُولون "لا إله إلّا الله"!!. وكأنَّهُ لا يفطنُ بأنَّ الأوّلين كذلك يقولون "لا إله إلاّ الله"، ولا يُشركُون بالله شيئاً.