الدرجة الثانية: ويمثلها المجتمعات التي توحّدت سلطتها المركزية وتجاوزت مرحلة الفوضى وتعادل القوى، إلاّ أنّها وقعت في قبضة قادة لا قيم لهم ولا تشريع يحترمه الجميع، ويكون القائد في حرية تامة في أن يفعل ما يريد، يقتل من يشاء عندما يشاء ،ويأخذ مال من يشاء، ويعاقب البريء ويُكرم الفاجر الظالم، وقد أصبحت مقالته شرعاً شفوياً متغيراً، يجب على الناس أن يتّبعوا دائماً القول الجديد منه. وقد يكون هذا المجتمع قوياً نوعاً ما وعلى مستوى "الدولة" ولكنّه من ناحية "العدل" وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم يُعتبَر حتى عند كثير من أهل الجاهلية دولة همجية مُنحطّة. لقد كان عرب الجزيرة قبل الإسلام يمثلون الدرجة الأولى لعدم وجود وحدة سياسية تعصمهم من التقاتل والتفرّق، وكان "المناذرة" في العراق و"الغساسنة" في الشام يُعتبرون أحسن حالاً من عرب الجزيرة لأجل ما كان لهم من وحدةٍ سياسية، ولكن كان ملوكها جائرين ظالمين في أحيان كثيرة كـ "عمرو بن هند" الذي سُمِّي بمضرّط الحجارة لأجل شدّته على الرعية، والذي أراد أن يُهين سادة القبائل بأن تخدم أمهاتهم أمه فكان ذلك سبباً لموته. وكـ "النعمان بن المنذر" الذي قيل: إنه كان له يومان، يوم الرضى الّذى يُكرم فيه ويعطي من يأتيه، ويوم الغضب الذى يقتل فيه من يأتيه.