(6) طُغيان الملوك ورؤساء الدول: والملوك والرؤساء الذين لا ينقادون لأمرِ الله متجاوزون لحدّ العبد فصاروا بذلك من الطواغيت فهم:. (أولاً) يدّعون أنّ لهم السيادة والعلو ويجب أن يُذعن النّاس لسلطانهم فيدّعون حقّ الله تعالى في الربوبية، في القهر والسلطان. (ثانياً) يدّعون أنهم مشرّعون وأنّ شريعتهم تهدى إلى الحقّ والخير فيدّعون حقّ الله تعالى من جانب آخر من جوانب ربوبيته، وهو التشريع والتحليل والتحريم. (ثالثاً) يدّعون أنهم يُجازون المطيع ويعاقبون العاصى الخارج عن شريعتهم، فنصبوا أنفسهم أربابا من دون اللّه تعبد بالخوف و الرّجاء والطاعة. (رابعاً) يوجبون التحاكم إليهم أو إلى نوابهم ومحاكمهم التي تعمل بتشريعاتهم الوضعية وتحكم بغير ما أنزل الله في الدماء والفروج والأموال، وهذا كذلك اعتداءٌ على حقوق الله يصيّرهم طواغيت متمرّدة على الله. فممّا تقدَّم تعلم أنَّ من فسر الطاغوت بالكاهن ليس مخالفاً لمن فسره بالسَّاحر أو الشيطان أو كعب بن الأشرف. لأن الجميع طواغيت، وكلّ منهم قد ذكر صورة من صور الطغيان ولم يرد الحصر كما بيّن ذلك قولُ الطبريّ المتقدّم. وقال الإمام مالك: "الطاغوت هو كل ما يُعبدُ من دون الله عز وجل " [ابن كثير]. وقال الإمام إبن تيمية: "ولهذا سُمّي من تحوكم إليهم من حاكم بغير كتاب الله طاغوتاً" [الفتاوى: 28/201]. وقال الإمام إبن القيّم: "فطاغوت كلّ قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله" [أعلام الموقعين:1/40]. وقال الإمام محمّد بن عبد الوهاب: "الطواغيت كثيرة ورؤسهم خمسة: (الأول) الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله تعالى والدليل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ... مُبِينٌ﴾ [يـس]. (الثاني) الحاكم الجائر المغيّر لأحكام الله تعالى والدليل قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ .... أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء:60]. (الثالث) الذي يحكم بغير ما أنزل الله. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المـائدة:44]. ومراد الشيخ هو: "كلّ من لا يحكم بين النّاس بما أنزل الله وإن لم يكن حاكماً عامّاً أو ملكاً". (الرابع) الذي يدّعى علم الغيب من دون الله تعالى. قال الله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ [الجنّ:26]. (الخامس) الذي يُعبدُ من دونِ الله وهو راضٍ بالعبادة. والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ..... نَجْزِي الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء:29]. [مجموعة التوحيد: الرسالة الأولى:1/15]. وقال الإمام عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين: "فتحصل من مجموع كلامهم –رحمهم الله- أنَّ إسم الطاغوت يشمل كل معبودٍ من دونِ الله وكلّ رأسٍ في الضلالِ يدعوا إلي الباطل ويُحسِّنُه، ويشمل أيضاً كلّ من نصبَهُ النّاسُ للحكم بينهم بأحكام الجاهليةِ المضادَّة لحكمِ الله ورسوله، ويشمِلُ أيضاً الكاهن والساحر وسدنة الأوثان إلى عبادة المقبورين وغيرهم" [مجموعة التوحيد:1/173]. وقال سيّد قطب: "وليس الطريق أن يتحرَّر النَّاسُ في هذه الأرض من طاغوت رومانيّ أو فارِسيّ إلى طاغوت عربيّ، فالطاغوت كلّه طاغوت. إنَّ النّاس عبيدٌ لله وحدهُ ولا يكونون عبيداً لله وحده إلا أن ترتفع رايةُ أن لا إله إلا الله – لا إله إلا الله كما يُدركها العربيُّ العارف بمدلولات لغته،: لا حاكمية إلاّ لله ولا شريعة إلاّ من الله ولا سُلطان لأحدٍ على أحدٍ، لأنَّ السُّلطان كلّه لله". [معالم في الطريق:28].