(5) ساداتُ القبائل وحُكَماؤُها: وسيِّدُ القبيلةِ وحكيمُها إذا لم يكن مُسلِماً يرجِعُ إلى الدّين الحقِّ في كُلِّ الشؤون فإنَّهُ يصيرُ مُتجاوزاً لحدِّ العبد، وطاغوتاً من الطواغيت لأنَّهُ: (أولاً) يكون متبُوعاً بالباطل يأمُرُ وينهى ويَصْدُرُ القرارات المُخالفة للحقِّ فيطاع. (ثانياً) يرجع إليه النَّاس في الخصومات ويتَحاكَمُوْنَ إليه فيفصلُ في القضايَاْ بغير ما أنزل اللهُ. وغالباً ما تكونُ القبائلُ البدوية مُنقادة لأحكامٍ من وضع البيئة إذ تعتبرُ الحِكَمَ والأمثال الموروثة أو المأخوذة من أفواهِ الشعراء والحُكماء كحقائق علمية تعتمدُ عليها في الخصومات والمنازعات. كما يُذكرُ عن عمر رضي الله عنه أنه قال:"كانَ الشعر علمَ قومٍ لم يكن عندهم علمٌ أصحَّ منهُ" وكان عربُ الجاهليةِ يتحاكمون إلى الرجال الذين يُظنُّ فيهم الحكمة والتجربة والإنصاف، وكان الخُصوم يتفقُون على الإنقيادِ بحُكمهِ قبل مجيئهم إليه، فالنِفارُ الذي هو التحاكم إلى رَجُلٍ مُجرَّبٍ عندما يتنازعُون في الشرف والسيادة أو في غير ذلك كانَ من مقاطِعِ الحقِّ عندهم حتى قال قائلهم وهو زُهير: "فإنَّ الحقَّ مقطعُه ثلاثٌ يمينٌ-أو نفارٌ- أو جلاء-". وتوجدُ في الأخبار والسير حوادثٌ كثيرة من هذا النوع، منها: 1- الحادثة المشهورة: لما وقعت الخصومة بين قُصيّ بن كلاب وخزاعة ومعها بنوبكر في من يتولَّى أمور الكعبـة والحرم تَحاكمُوا بعد قتال إلى "يعمر بن عوف " فقضى لِقصيّ وأنَّ ما أصابهُ من دم موضوعٌ شدخُهُ تحت قدميه، وما أصابت خزاعة وبنو بكر ففيه الدية فسُمّي من يومئذٍ "يعمر الشدَّاخ". –[الروض الأنف:1/148]. 2- وذكر إبن إسحاق أنَّ جرير بن عبدالله البجليّ نافر قبل إسلامه الفُرافصة الكلبيّ إلى "الأقرع بن حابس" التميميّ. قال السهيليّ: "ينافر: أي يحاكم" قال قاسم بن ثابت: لفظ المُنافرة مأخوذة من النَّفر، وكانوا إذا تنازَع الرجلان وادّعى كلّ واحد منهم أنَّه أعزُّ نفراً من صاحبه تحاكموا إلى العلّامة فمن فضل منهما قيل: نفره عليه أي فضّل نفره علي نفر الآخر: فمن هذا أخذت المنافرة. قال زهير: فإنَّ الحقَّ مقطعه ثلاث يمين أو نِفارٌ أو جلاء. 3- ويُذكر كذلك أنّ أمية بن عبد شمس نافر هاشم بن عبد مناف إلى رجلٍ من العرب ففضَّل هاشماً.. 4- وأنَّ عامر بن الطفيل نافر علقمة بن علاثة إلى رجلٍ من العرب ففضّل عامراً. إلى غير ذلك من الأخبار. 5- وفي زمن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أراد رجلٌ منافق في خصومة بينه وبين يهوديّ التحاكم إلى "كعب بن الأشرف" وكان سيداً من سادات يهود. فأنزالله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء:60].