هول المطلع وفظاعة القبر عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تمنوا الموت فإن هول المطّلع شديد" [أحـمد] ولما طُعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له رجل إني لأرجو أن لا تمس جلدك النار فنظر إليه وقال: "أن من غررتموه لمغرور والله لو أن لي ما على الأرض لأفتديت به من هول المطّلع" [التذكرة]. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل ليس بمغفول عنه، وضاحك بملئ فيه لا يدري أأرضى الله أم أسخطه!!!. وأبكاني فراق الأحبّة محمد صلّى الله عليه وسلّم وحزبه وهول المطّلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله يوم تبدو السريرة علانية ثم لا يدري إلى الجنة أو إلى النار. [ التذكرة ]. ولما حضر الإمام الشافعي رحمه الله الوفاة سأله بعض أصحابه: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ فقال: أصبحت عن الدنيا راحلاً وللإخوان مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، وعلى الله عز وجل وارداً ولا أدري أيؤمر بي إلى الجنة أو يؤمر بي إلى النار. [نفحات من منبر الرسول]. عن هاني قال: كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبلّ لحيته فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ قال: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج فما بعده أشدّ منه ... قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه. وروي أن عثمان أنشد على قبر : فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخالك ناجياً [التذكرة]. القبر: منـزل قد ترتحل إليه بعد لحظات أو سويعات أو سنوات ولا يشك مسلم أن ذلك لا محالة آت. القبر: إنه المنظر الذي به يرق القلب وتدمع العين، يزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة ويورث العظة والاعتبار يجعل العبد يتيقظ من غفلته وينسلخ من إحضان أحلامه وسهوته . القبر: تلك الحفرة الضيقة التي لا أنيس فيها ولا جليس ولا صديق ولا سمير العمل الصالح أنيس العبد في قبره ومزيلة وحشته في رممه . القبر: يضمّ بين جوانه جثثاً هامدة لا حراك بها ولا نفس في عروقها يضمّ الأجسام البالية، العظام النخرة، الأشلاء المبعثرة والأوصال المتقطعة . القبر: موطن العظماء والحقراء، والحكماء والسفهاء، ومنْزل الصالحين السعداء، والطالحين الأشقياء، والسكون يرفرف على قضائه، والرهبة تنتشر بين أجوائه فيه سؤال والمناقشة، والتوفيق والتثبيت إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. القبر: يعظ الأحياء بصمت ليذكرهم بالمآل الذي لا بد منه فيدفعهم ذلك إلى سيادة الإستعداد ليوم المعاد . هذه القبور ظواهرها تراب وبواطنها حسرات وعذاب إنها فتنة القبر التي جعلت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يترك صلاة إلا ويستعيذ من عذاب القبر فيقول: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا، والممات ومن فتنة المسيح الدجال" [ابن ماجه]. ويقول لأصحابه صلّى الله عليه وسلّم:"استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حقّ" [أحمد]. أخرج الترمذي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة". كان عطاء رحمه الله إذا جنّ الليل خرج إلى المقبرة ثم يقول: غداً عطاء في القبور . [ نفحات من منبر الرسول ]. وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إذا نظر إلى القبور بكى ثم قال: "هذه قبور آبائي كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشتهم أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم منهم البلي وأصابتهم الهوام في أبدانهم" . عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إن العبد إذا وُضع في قبره وتولى عنه وأصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلّى الله عليه وسلّم فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله تعالى به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً. قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح له في قبره أربعون ذراعاً .. وقال مسلم: سبعون ذراعاً ويملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون " [مسلم]. وفي رواية عند أحمد وأبي داود: "فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة والبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويُفسح له في قبره مدّ بصره قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرّك هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجئ بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: ربّ أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي " . وفي حديث أنس رضي الله عنه الطويل عند مسلم "وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين " . وفي رواية عند أحـمد وأبي داود: أما الكافر:فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول هاه هاه لا أدري. فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري. فينادي مناد من السماء أن كذّب عبدي فافرشوا له من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرّها وسمومها ويضيق عليه قبرُه حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتنّ الريح فيقول: أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجئ بالشر ؟ فيقول: أنا عملك الخبيث فيقول : ربّ لا تقم الساعة " . عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "القبر حفرة من حفر جهنم أو روضة من رياض الجنة " [ البيهقي ]. عن أم حبيبة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم رضي الله عنها قالت: سمعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا أقول: اللهم امتعني زوجي رسول الله وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية فقال: لقد سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة لن يعجل (الله) شيأً قبل أجله ولا يؤخره ولو كنت تسألين الله أن يعيذك من النار وعذاب القبر كان خيراً وأفضل"[مسلم] عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ " [ البيهقي ]. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: هذا الذي تحرّك له عرش الرحمن، وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفاً من الملائكة لقد ضمّ ضمةً ثم فرّج عنه" [ النسائ ]. عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال إن عذاب القبر حق وإنهم يعذّبون في قبورهم عذاباً تسمعهم البهائم" [متفق عليه]. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بول" [متفق عليه] . عن زيد بن ثابت قال: بينما النبي صلّى الله عليه وسلّم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل أنا. قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك. فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يُسمِعكم من عذاب القبر الذي أسمع. [مسلم]. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم . [أبو داود]. عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مما يكثر أن يقول لأصحابه " هل راى أحد منكم رؤيا ؟" فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة: "إنه أتياني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق واني انطلقت معهما. وإنا أتينا على مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصّح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرّة الأولى" . وفسر في آخر الحديث: "إنه الرجل الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة". وفي رواية "فيفعل به إلى يوم القيامة" . وفيه "فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد،وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، قال وربما قال أبو رجاء فيشقّ. قال: ثم يتحولُ إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ". وفسّر في آخر الحديث: "أنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق" وفي رواية "فيفعل به إلى يوم القيامة" وفيه " فأتينا على مثل التنور –فأحبّ أنه كان يقول– فإذا فيه لغط وأصوات قال : فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذاهم يأتيهم لهب منهم من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا (علت أصواتهم) " . وجاء في آخر الحديث: "فإنهم الزناة والزواني" وفي رواية "فيفعل به إلى يوم القيامة" وفيه "فأتينا على نهر –حسبت أنه كان يقول:- أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة . فيفغر فاه فيلقمه حجراً فينطلق فيسبح ثم يرجع كلما رجع إليه فغر فاه فألقمه حجراً" . وجاء في آخر الحديث: "فإنه آكل الربا" وفي رواية "فيفعل به إلى يوم القيامة" [البخاري].