(القيامة الصغرى) (أ) ذكر هاذم اللذات يقول الله عز وجل في كتابه العزيز:﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك]. ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء]. ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ [الزمر ]. ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [الم السجدة]. ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاْلِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن]. ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُوم.َ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ. فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ. تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [ الواقعة ]. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لايتمنّ أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنياً فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لّي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لّي [متفق عليه]. وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لا يتمنينّ أحدكم الموت ولايدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لايزيد المؤمن عمره إلاّ خيراً" [مسلم]. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد وإن من السعادة أن يطول عمر العبد حتى يرزقه الله الإنابة" [تذكرة القرطبي]. قال العلماء: "الموت ليس بعدم محض ولافناء صرف،وإنما هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدّل حال، وانتقال من دار الى دار. وهو من أعظم المصائب وقد سمّاه الله تعالى مصيبة ﴿فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ فالموت هو المصيبة العظمى والرزية الكبرى وأعظم منه الغفلة منه والإعراض عن ذكره وقلة التفكر فيه وترك العمل له، وأن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن تفكر" [تذكرة القرطبي ]. عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "اكثروا ذكر هاذم اللذات" يعني الموت [ الترمذي النسائي ] عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: "أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه" [الترمذي ]. عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال:كنت جالساّ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء رجل من الأنصار فسلّم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خُلُقاً قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لما بعده استعداداً أولئك الأكياس )) [مالك/ابن ماجه]. وكان يزيد الرقاش يقول لنفسه: ويحك يا يزيد من ذا الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا الذي يرضي عنك ربك بعد الموت؟ ثم يقول أيها الناس: "ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم من الموت موعده والقبر بيته، والثرى فراشه، والدود أنيسه وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف يكون حاله؟". [ التذكرة ]. وقال اللفاف: "من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة. ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والكسل عن العبادة. فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته. فيا للموت من وعد ما أصدقه ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مقرحاً للقلوب ومبكياً للعيون ومفرقاً للجماعات وهاذماً للذات وقاطعاً للأمنيات) [التذكرة]. وقال التيمى:"شيئان قطعاعني لذات الدنيا ذكر الموت وذكر الوقوف بين يدي الله تعالى" [التذكرة]. وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطابرضي الله عنهكثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات: لا شئ مما ترى تبقى بشاشته يبقي الإله ويفني المال والولد لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا ولاسليمان إذ تجري الرياح به والجن والإنس فيما بينها ترد أين الملوك التي كانت لعزتها من كل أوب إليها وافد يفد حوض هنالك مورد بلا كذب لابد من ورده يوماً كما وردوا وقال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ﴾ قال سيد قطب رحه الله عند هذه الآية: "إنه لابد من استقرار هذه الحقيقة في النفس، حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة محدودة بأجل ثم تأتي نهايتها حتماً. يموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون ويموت القاعدون، يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد، يموت الشجعان الذين يأبون الضيم، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن .. يموت ذوو الإهتمامات الكبيرة والأهداف العالية ويموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص الكل يموت ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ﴾ كل نفس تذوق هذه الجرعة وتفارق هذه الحياة لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه الكأس الدائرة على الجميع ).