إن للموت سكرات يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ [ق]. عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "لا إله إلا الله إن للموت سكرات". [البخاري]. وقالت أيضاً: "مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم". لما حضر عمرو بن العاص الوفاة قال له ابنه يا أبتاه إنك لتقول لنا: ليتني رجلا عاقلاً لبيباً عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد وأنت ذلك الرجل فصف لي الموت . فقال: يا بني والله كأنّ جنبي في تخت وكأني أتنفس من سمّ إبرة ، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي الى هامتي ثم أنشأ يقول: ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في تلال الجبال أرعي الوعولا [التذكرة]. قال تعالى: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ قال سيد قطب رحمه الله: "الموت أشد ما يحاول المخلوق البشري أن يروع منه أو يبعد شبخه عن خاطره ولكن أنّى له ذلك ... والموت طالب لايمل الطلب ولايبطئ الخطّ ولايخلف الميعاد ... ويوحي هذا التعبير ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ بأن النفس البشرية ترى الحق كاملاً وهي في سكرات الموت تراه بلا حجاب وتدرك منه ما كانت تجهل وما كانت تجحد ولكن بعد فوات الأوان حين لاتنفع رؤية ولايجدي إدراك ولاتقبل توبة ولا يحسب إيمان ... وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: "سبحان الله إن للموت لسكرات" يقولها وهو قد اختار الرفيق الأعلى واشتاق الى لقاء الله فكيف بمن عداه ؟؟؟ وقال تعالى: ﴿فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ﴾ قال سيد قطب عند تفسيرها: لنكاد نسمع صوت الحشرجة، ونبصر تقبض الملامح ونحس الكرب والضيق من خلال قوله ﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ﴾. كما نكاد نبصر نظرة العجز وذهول اليأس في ملامح الحاضرين من خلال قوله ﴿وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ﴾. هنا في هذه اللحظة وقد فرغت الروح من أمر الدنيا وخلفت وراءها الأرض وما فيها وهي تستقبل عالماً لا عهد لها به، ولا تملك من أمره شيأً إلا ما ادّخرت من عمل وما كسبت من خير أو شر ... هنا وهي ترى ولا تملك الحديث عما ترى وقد انفصلت عمن حولها وما حولها الجسد هو الذي يراه الناظرون ولكنهم ينظرون ولا يرون ما يجري ولايملكون من الأمر شيأً . هنا يعرفون ولا يجادلون إنهم عجزة عجزة قاصرون قاصرون. هنا يقف قدرة البشر وينتهي مجال البشر. هنا تنفرد القدرة الإلهية والعلو الإلهي ويخلص الأمر كله لله بلا شائبة ولاشبهة ولا جدال ولا محال ... ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاْ تُبْصِرُونَ﴾.