(14) الردُّ على أصول مستحدثةٍ باطلةٍ: ليس ما يأتي ذكره مما قرّره علماء السلف على أنّها أصول ثابتة يُرجع إليها في استنباط وفهم مسائل الفقه الفرعية ... وإنّما هي مما اتّخذه بعضُ الناس أصولاً للاحتجاج بها جهلاً منهم بحقيقة القول ومآله. ويظنُّون أنّهم في تمسّكهم بهذه الأقوال متّبعون لفقهاء أهل السنّة والجماعة وأصولييهم، والحقّ خلاف قولهم، وأنّهم في وادٍ وعلماء الأُمّة في وادٍ. وإذا أمعنّا النظر في كل قولٍ من هذه الأقوال التي يُرادُ إلحاقها بأصول الفقه الإسلامي نجده إمّا أنّه قولٌ صحيحٌ وضعوه في غيره موضعه، أو أنّه قولٌ من أقوال فِرقةٍ مُبتدعة أو أنّه قولٌ مستحدث لم يُسبَقُوا إليه. والقول الصحيح يجب أن يؤخذ على مراد قائله وإلاّ كان كذباً وافتراءً عليه. ولا أقول أنّ هذه الأقوال الباطلة قد أجمعت على قبولها كلّها فرقة من الفرق .. ولكن أقول جزماً أنّ كل قول من هذه الأقوال يعمل بها ويحتجّ بِها أفرادٌ أو جماعات تدّعي أنّها عاملة للإسلام، وإذا لم يتعقّب على كل قول من هذه الأقوال ولم يُبيَّن حقيقته للناس يُخشى أن يأتي بعاقبةٍ وخيمةٍ ومفسدةٍ عظيمةٍ في الدِّين والدنيا، لأنّ الذين يُروّجونها رجالٌ تزيَّوا بزيّ "العلماء" وتتلقّف أقوالهم "العامّة" لإحسانهم الظنّ بِهم وقلّة معرفتهم بالشَرْع. ولا يتّسع المجال لنقد جميع الآراء والأفكار المنحرفة عن الصراط المستقيم لذا أُحاول أن أقول شيئاً عن أهمّها وأخطرها، وهي التي تتعلّق بموضوع العقيدة، ويتكرّرُ الاحتجاج بها في الردود والمناظرات العلمية وكأنّها أصولٌ ثابتة معروفة لا غُبار عليها. وإليك هذه الأقوال مع البيان الموجز لكلّ منها: (الأول): من تكلّم بكلمة الشهادة دخل الجنة كائناً من كان. الخطأ في هذا القول هو أخذه على العموم، واعتقادُ أنّ كل من قال "لا إله إلاّ الله" يدخلُ الجنّة، ومن اعتقد هذا العموم يكونُ ضالاًّ عن الصراط المستقيم، لأنّه سيعتقد دخول اليهود والنصارى الجنّة لقولهم "لا إله إلاّ الله"، ودخول المنافقين الجنّة بقولهم "لا إله إلاّ الله" وصلاتهم وزكاتهم، ودخول المرتدين بني حنيفة ومانعي الزكاة والقرامطة وأمثالهم الجنّةَ لقولهم "لا إله إلاّ الله". وهذا اعتقادٌ باطلٌ بالإجماع على دخول المشركين والمنافقين والمرتدين الذين ماتوا على الكفر النار وخلودهم فيها. ولذلك أفتى شيخ الإسلام "بأنّ من اعتقد دخول كل من قال "لا إله إلاّ الله" الجنّة يُستتابُ فإن تاب وإلاّ قُتل". انظر الفتاوى: 35/106. (الثاني): نُكفِّر الأعمال ولا نُكفِّر الأعيان. هذا القولُ له وجهٌ من الصحة وهو قول المفتي الذي لا سلطان له على أحدٍ: "إنِّي أُبيّن لكم القضايا المكفّرة لتجتنبوها وتأمروا الواقعين فيها باجتنابها ... ولكن أنا لا أقولُ لكم فلان بن فلان قد ارتدّ ودمُه مباحٌ لكم .. لأنّ إنزال العقوبة وإقامة الحدود لولاة الأُمور ونوابهم وقضاتهم، ولستُ من أولئك فأنا أُكفّر الأعمال ولا أُكفّر الأعيان". وهذا ما كان يقوله العلماء المفتون الذين لا يشغلون مناصب الدولة كالقضاء وولاية الأمصار. والخطأ في هذا القول هو الظنّ بأنّ "الأعيان" لا يُكفَّرون ولا يُعتقَدُ أنّهم قد كفروا وإن فعلوا الكفر الأكبر. وبطلان هذا القول ظاهرٌ بحمد الله. لأنّ أنبياء الله كفّروا أقوامهم وكانوا أقواماً معينين. وكان عرب الجزيرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم كفارٌ وبعضهم مسلمون، وارتدّت بنو حنيفة وكانوا قوماً معينين، وكفّر العلماء في كل قرنٍ أقواماً وأفراداً معينين. والقرآن يأمر بالجهاد، ولا يجاهَدُ بغير وجود كفار معينين، ويُحرّم نكاح المشركات وإنكاح المشركين، وهم ناسٌ معينون، وهلمّ جرّاً .. فإنّ كل حكم من الأحكام إنّما يخصُّ أقواماً معينين، ومن أنكر تكفير المعينين مطلقاً فقد كفر بالكتاب وضلّ الضلال البعيد. (الثالث): الجاهل لا يكفر بالشرك الأكبر إلاّ بعد بلوغ الحجّة. وهذا باطلٌ من وجوه: [الوجه الأول] الكفر صفةٌ يتّصف بها الإنسان وأكبر أنواعه "عبادة غير الله"، فمن عبد غير الله فقد استحقّ أن يوصف بالكفر ولا ينتقل عن دائرة هذا الحكم حتى يوحّد الله ويخصّه بالعبادة والطاعة والتوجّه، ولا يُقال إنّه مسلم حتى يأتي بالشروط الشرعية التي أولها: التوبة من الشرك. وثانيها: إقامة الصلاة. وثالثها: إيتاء الزكاة. فهذا من خطاب الوضع أي وضع الشروط والأسباب والموانع. فكما يُقال: إذا زالت الشمس وجب الظهر وإذا استهلّ رمضان وجب الصوم، يُقال: إذا تاب من الشرك وأقام الصلاة وآتى الزكاة فقد صار مسلما. [الوجه الثاني] دلّ القرآن على أنّ أهل الأوثان وأهل الكتاب زمن نزول القرآن كانوا كفّاراً مع جهلهم: قال الله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البينة: 1]. وإنّ فرعون كان عدواً لله مفسداً قبل مجيء موسى بالدعوة الإسلامية. قال تعالى في شأن فرعون: ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ [النازعات: 17]. ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 4]. ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾ [طه: 39]. قال شيخ الإسلام: "فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة".(1) [الوجه الثالث] إذا قيل "الجاهل لا يكفر" والعالم يكفُر وقد لا يكفر. فقد ثبت أنّ الجهل خيرٌ للناس من العلم، وهذا خلاف المعلوم من الكتاب والسنّة اللذين فيهما مدح العلم وأهله وذمّ الشرك وأهله . قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]. وقال: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة: 67]. [الوجه الرابع] إنّ هذا هو عين مذهب الجهمية الملعون. فهم قالوا: أنّ ما كان يفعله الجاهل قبل ورود الشرع من الشرك والظلم والفواحش لم تكن سيئات وإنما كانت كفعل الأطفال والمجانين .. وقد ردّ الإمام بن تيمية عليهم في (الفتاوى: 11/676) بما فيه الكفاية وأبان هناك مذهب أهل الحقّ وكون سيئات الجاهل قبل ورود الشرع سيئات إلاّ أنّه لا يعذّب إلاّ بعد مجيء الرسالة وورود الشرع. (الرابع): لا نُكفِّر أحداً من أهل القبلة بالذنب والشرك. جاء في العقيدة الطحاوية: "ولا نُكفّر أحداً من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحلّه". هذا هو القول المعروف .. أما تغيير هذه القاعدة بهذه الصورة .. والقول بأنّ أهل الشرك لا يزالون مسلمين فهو من أفسد الأقوال التي عورض بها الحقّ المُنَزّل من عند الله. فإنّ الشرك بالله مع الاعتراف بوجوده وملكه وتدبيره هو دينُ أبي جهل وأتباعه، وتوحيد العبادة لله هو دينُ محمد صلى الله عليه وسلم. ومن جمع بين التوحيد والشرك فقد جمع بين دينين متضادين. قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1-6]. فثبت أنّ من أشرك بالله واتّبع دين أبي جهل فقد خرج عن أحكام أهل القبلة، ولذلك قاتل المسلمون بعد النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً ينطقون بالشهادتين على أمورٍ أخرجتهم من دائرة الإسلام وأحكام أهل القبلة. (الخامس): لا يُقيم الحجةَ إلاّ عالم مُجتهد. عندما يُقال هذا في هذه الأيام فإنّ القائلين به مرادُهم أن ينهوا الناس عن إنكار الشرك الأكبر وأن يقصروا الحديث عن هذا الموضوع على أشخاص معينين ربّما ليس همّهم كبيراً في إنكار الشرك وتعليم التوحيد. ولتصحيح هذه الفكرة لا بُدّ أن نذكر عدّة نقاط: (الأولى) العلمُ ضروريّ ومكتسب نظريٌّ. والمراد بالضروريّ هو العلم الذي لا يجهله أحدٌ في دار الإسلام، وانتقل بالتواتر عند العلماء والعامة مثل: الإيمان بتوحيد الله ونبذ الشركاء عنه، والإيمان بالرسل وأنّ محمّداً صلى الله عليه وسلم خاتمهم، والإيمان بالكتب والملائكة والبعث بعد الموت والجنّة والنار. فمعرفة هذه الأمور ليست قاصرة على العلماء وإنما هي معلوم بالضرورة من دين الإسلام. وكلّ مسلم داعيةٌ في هذه الأصول وغيرها من المعلوم من الدِّين بالضرورة كالصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وبرّ الوالدين وتحريم الخمر والميسر والربا والزنا وغير ذلك. وكل من تبلغه الحجّة الرسالية في قضية من القضايا فقد قامت عليه الحجة وإن كان مبلِّغها من عامّة المسلمين. قال الله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]. فدلّت الآية على أنّ من بلغه القرآن وفهِم المراد فقد قامت الحجةُ عليه. ولكن توجد مع ذلك أمورٌ كثيرةٌ تُعرف بالنظر ويَعلَمُها العلماءُ، فوجب أن يكونوا قائمين بالحجّة وأن يُعلِّموا الناس ما جهلوه من دينهم، فمن قامت الحجة في نفسه وتبيّن له الحقّ فهو الجدير بإقامة الحجّة على غيره. ويمكن وضع المسألة في وضع آخر نقول: "لا يُقيم الحجة إلاّ عالمٌ بها". فالمسألة التي يعرفها كلُّ المسلمين فهم المقيمون للحجة الرسالية على غيرهم. والمسألة التي لا يعلمها إلاّ الخواص من أهل العلم فإقامة الحجّة على غيرهم خاصّة بهم. (الثانية) هناك نوع من الاجتهاد لا يفتقر إلى علم كثير ولا إلى معرفة للغة العربية، وهو ما يعرف في أصول الفقه بـ"تحقيق المناط". وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنّه متّفق عليه بين العلماء والعقلاء!! أي لم يُنكر في العمل به إلاّ السفهاء والمجانين من البشر. وهذا نصّ قوله: "تحقيق المناط: وهو أن يُعلِّق الشارع الحكم بمعنى كليّ فَيُنْظَرُ في ثبوته في بعض الأنواع وبعض الأعيان كالأمر باستقبال القبلة، واستشهاد شهيدين، وكتحريم الخمر والميسر، وكفرضه تحليل اليمين بالكفارة، وكتفريقه بين الفدية والطلاق، فيبقى النظر في بعض الأنواع هل هي خمر أو يمين وميسر وفدية أو طلاق. وفي بعض الأعيان: هل هذا المصلّي مستقبل القبلة، وهذا الشخص عدلٌ مرضيٌّ ونحو هذا. وهذا النوع من الاجتهاد متّفق عليه بين العلماء بل بين العقلاء". (الفتاوى: 19/14). وقال الإمام الشاطبي: " المسألة السادسة: الاجتهاد لا يتوقف على اللغة: قد يتعلق الاجتهاد بتحقيق المناط فلا يفتقر فى ذلك إلى العلم بمقاصد الشارع كما أنه لا يفتقر فيه إلى معرفة علم العربية لأن المقصود من هذا الاجتهاد إنما هو العلم بالموضوع على ما هو عليه ". [الموافقات: 4/527]. وعلى هذا إذا عرف المسلم الأعجميّ وبلغه بلغته أنّ الصلاة لا تصح إلاّ بشروط تسعة منها: "استقبال القبلة" و "ستر العورة" فإذا رأى هذا المسلم الذي لا يعرف العربية إنساناً يصلِّي عُرياناً أو مستدبر القبلة فالصواب أن يقول لهذا المصلِّي: "لم تصحّ صلاتُك" وأن يأمره بستر العورة واستقبال القبلة .. وتكون الحجّة قد قامت بقوله هذا على المصلّي الذي صلّى الصلاة الفاسدة، ومن قال لهذا المسلم الأعجميّ: لماذا تأمرُ وتنهى وعلمُك قليلٌ ولا تعرف العربية فهو أضلّ من حمار أهله، لأنّ الاجتهاد هنا في تحقيق المناط الذي لا يفتقر إلى علم كثير ولا إلى اللغة .. ومن أنكره فقد خرج من زمرة العلماء والعقلاء. وكذا إذا أسلم الأعجميّ وعرف أنّ دعاء الأموات والاستغاثة بهم فيما لا يقدر عليه إلاّ الله "شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملّة". وعرف أنّ الله قد أهلك أمماً كثيرةً بهذا الشرك وأمثاله، فإنّ علمه هذا يجعله خائفاً من الوقوع فيه. فإذا رأى هذا المسلم الأعجمي الذي لم يتعلّم اللغة العربية معتكفاً على قبرٍ يطلب منه المطر والرزق والأولاد .. فإنّه يعلم أنّه في الشرك الأكبر، وأنّ عليه الدعوة إلى التوبة من هذا الشرك وإلى إخلاص العبادة لله .. ومن أنكر على هذا المسلم قيامه بالدعوة إلى الله وإقامته للحجّة على المشرك فهو أضلّ من حمار أهله، ويكون قد خرج من زمرة العلماء والعقلاء، لأنّ الاجتهاد هنا في تحقيق المناط الذي لم ينكره إلاّ السفهاء والمجانين. (السادس): لا يجوز الاستشهادُ بالآية المجرّدة عن أقوال أهل العلم. وهذا من أعجب ما سمعته من رجالٍ يدّعون العلم .. فقد تدرّج بهم الشيطان حتى جعلهم يستنكرون الاحتجاج بالآية المحكمة. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يوشك أن تُنْزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!". فتح المجيد : باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وقال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. المصدر السابق. إنّ القرآن حجّة الله على خلقه، ومن قال به فقد صدق، ومن ردّ دلالة الآيات المحكمات فقد ضلّ عن الصراط المستقيم. قال الله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45]. وقال: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: 51]. وقال: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [النمل: 91-92]. وإنّما ينكَرُ على المستدلّ بالقرآن إذا أتى بتأويل خارقٍ للإجماع .. وعندئذ الواجب أن يُبيَّن له ويقال: خرقتَ الإجماع وخالفتَ السلف وإنما التفسير الصحيح للآية هو كذا وكذا. أمّا الإنكار عليه وقد أصاب في استدلاله لأجل اكتفائه بالآية المحكمة التي وضعها في محلّها مجرّدة عن ذكر أقوال العلماء فبدعةٌ شنيعةٌ لم تكن معروفةً في الزمان الأول. إنّ الذي يستحقّ الإنكار عليه هو الذي صار دليلُه قول البشر ولا يذكر الآية، بل يظنُّ ذكرها مجرّدةً عن قول الشيخ من علامات أهل الزيغ .. وإذا ذكرها فلذكر شيخه إياها ذكرها .. هذا هو الذي يستحقُّ الإنكار والتشنيع عليه حيث جعل القرآن تابعاً لا متبوعاً إماماً.