(12) ترتيب الأدلّة: أصل (366) : "يحب أولاً تقديم الكتاب ثُمّ السنّة والإجماع". (الفتاوى: 20/9 / 22/368). وقد أخطأ من قال: يُنظر أولاً في الإجماع قال الإمام الشافعي: "الأصل قرآن أو سنّة، فإن لم يكن فقياسٌ عليها، وإذا اتّصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحّ الإسناد عنه فهو سنّة، والإجماع أكثر من الخبر المفرد والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره أولاها به، وإذا تكافأت الأحاديث فأصحّها إسناداً أولاها، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيّب، ولا يُقاس أصلٌ على أصل، ولا يُقال لأصلٍ: لِمَ ولا كيف، وإنّما يُقالُ للفرع: لِم. فإذا صحّ قياسُهُ على الأصل صحّ وقامت به الحجّة". [المسودّة: 318]. أصل (367):"القضايا الجزئية إذا عارضت العامّة القطعية أوّلت أو أهملت". ومثال ذلك "ثبوب عصمة الأنبياء عن الكبائر" فهي قاعدة عامة قطعية،فوجب تأويل الحديث: «لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات». وحمله على وجه لا يخرم ذلك الأصل. وثبتت قاعدة: "حرمة الجنّة على المشرك والكافر". فوجب تأويل الذي قال: "حرِّقوني". بوجه لا يخرم القاعدة. وهذا جارٍ في أصول العقائد، لأنّها هي التي لا تقبل التخصيص ولا الاستثناء. (الموافقات: 3/232). قال الإمام الشاطبي: "إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال والدليل على ذلك أمورٌ: (أحدها) أنّ القاعدة مقطوعة بها بالفرض، لأنّا إنّما تتكلّم في الأصول الكليّة القطعية. وقضايا الأعيان مظنونة أو متوهمة، والمظنون لا يقف للقطعيّ ولا يعارضه. (الثاني) أنّ القاعدة غير محتملة لاستنادها إلى الأدلّة القطعية وقضايا الأعيان محتملة لإمكان أن تكون على غير ظاهرها أو على ظاهرها وهي مقتطعة ومستثناة من ذلك الأصل فلا يمكن -والحالة هذه- إبطال كلّية القاعدة بما هذا شأنه. (الثالث) أنّ قضايا الأعيان جزئية والقواعد المطردة كلّيات، ولا تنهض الجزئيات أن تنقض الكلّيات، ولذلك تبقى أحكام الكلّيات جارية في الجزئيات وإن لم يظهر فيها معنى الكلّيات على الخصوص. (الرابع) أنّها لو عارضها فإمّا أن يعملا معاً أو يُهملا أو يعمل بأحدهما دون الآخر، أعني في محلّ المعارضة: فإعمالهما معاً باطلٌ وكذلك إهمالهما، لأنّه إعمال للمعارضة فيما بين الظنّيّ والقطعيّ، وإعمال الجزئيّ دون الكليّ ترجيح له على الكليّ، وهو خلاف القاعدة. فلم يبق إلاّ الوجه الرابع وهو إعمال الكليّ دون الجزئيّ وهو المطلوب". (الموافقات: 4/532). أصل (368): "بعضُ الأدلّة أولى بالتقديم من بعضٍ". 1) فيقدّم القطعيّ على الظنّي. 2) ويقدّم المحكم على المتشابه. 3) والحاظر على المبيح. 4) والمنطوق على المفهوم. 5) والخاص على العام. 6) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأمته على فعله. (يراجع موضوع ترتيب الأدلّة والترجيحات في المصادر المذكورة في آخر الكتاب). أصل (369): "يرجّح الحديث على الحديث بمرجحات معلومة". منها: (1) كثرة العدد في أحد الجانبين، وهي مؤثّرة في باب الرواية لأنّها تقرب مما يوجب العلم وهو التواتر. المثال: حديث إيجاب الوضوء من مسّ الذكر، أكثر طرقاً من حديث الرخصة، وكلاهما صحيح. (2) أن يكون أحد الروايتين متّفقاً على عدالته والآخر مختلفاً فيه فالمصير إلى المتّفق عليه أولى. (3) أن يكون راوي أحد الحديثين كان بالغاً لما سمعه والثاني كان صغيراً حالة الأخذ. (4) أن يكون أحد الحديثين سماعاً أو عرضاً والثاني يكون كتابةً أو وجادةً أو مناولةً، فيكون الأول أولى بالترجيح لما تخلّل هذه الأقسام من شبهة الانقطاع لعدم المشافهة، ولهذا حديث ابن عباس: «أيما إهابٍ دبغ فقد طهر». على حديث ابن عكيم: «لا تنتفعوا من الميتة بإهابٍ ولا عصب». لأنّ هذا كتاب وذاك سماع. (5) أن يكون أحد الروايتين مباشراً لما رواه والآخر حاكياً، فالمباشر أعرف بالحال. من حديث ميمونة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نكحها وهو حلالٌ، ويؤيده رواية أبي رافع. وخالف ابن عباس وروى أنّه صلى الله عليه وسلم نكحها وهو حرام. فقدّم حديث ميمونة لكونها صاحبة القصة، وحديث أبي رافع لكونه السفير بينهما على حديث ابن عباس. ولذلك قالت عائشة لما سئُلت عن المسح على الخفين: سلوا علياً فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (6) أن يكون أحد الراويين أكثر ملازمة لشيخه من الآخر. (7) أن يكون أحد الراويين جمع حالة الأخذ بين المشافهة والمشاهدة، والثاني أخذ من وراء حجاب، فيؤخذ بالأول لأنّه أقرب إلى الضبط، ولهذا قدّم حديث عروة والقاسم بن محمد على حديث أسود بن يزيد لما اختلفوا في زوج بريرة أكان عبداً أم حُرّاً. (8) أن يكون أحد الراويين لم يضطرب لفظه والآخر قد اضطرب. ولذا قدّم حديث ابن عمر في رفع اليدين عند التكبير والركوع والرفع على حديث البراء: "كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود". وكان الراوي أولاً لا يزيد "ثم لا يعود". ثم زاد بعد. وغير ذلك من الترجيحات. كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار: 11-23 أصل (370): "إذا تعارض الأصل والظاهر وجب النظر في الترجيح". فتكون أقسام المسألة أربعة: (الأول) ما يُرجّح فيه الأصل جزماً كمن ظنّ حدثاً أو طلاقاً أو عتقاً أو صلّى ثلاثاً أم أربعاً فإنّه يعمل فيها بالأصل بلا خلاف، لأنّ الأصل عارضة احتمالٌ. (الثاني) ما يرجّح فيه الظاهر جزماً وذلك إذا استند إليه سبب منصوب شرعا كالشهادة تعارض الأصل والرواية واليد في الدعوى وإخبار الثقة بدخول الوقت أو بنجاسة الماء وإخبارها بالحيض وانقضاء الإقراء. (الثالث) ما يُرجّح فيه الأصل وذلك إذا استند الاحتمال إلى سبب ضعيف. وله أمثلةٌ كثيرة منها: الشيء الذي لا يُتيقّنُ نجاسته ولكن الغالب فيه النجاسة، كالأواني وثياب مدمني الخمر والكفار المتدينين بها ودعوى المديون الأعسار، والمتبايعان إذا قال أحدهما: لم أفارقه فلي خيار المجلس فالقول قوله إن قصرت المدّة. (الرابع) ما ترجّح الظاهر على الأصل بأن كان سبباً قوياً منضبطاً مثل: إذا اختلف المتعاقدان في الصحة والفساد، فالأصحُّ تصديق مدعي الصحة، لأنّ الظاهر جريان العقود بين المسلمين على قانون الشرع. ولو شكّ هل رضع خمساً أو أقلّ فلا تحريم لعدم معارضة أصل الإباحة بأصل آخر. (الأشباه والنظائر: 70). (الفتاوى: 21/326). أصل (371): "إذا تعارضَ حاظِرٌ ومُبيح فالحاظر أولى بالعمل". وهذا إذا جُهِل التاريخُ وتعذَّر الجمعُ, فيكونُ تقديمُ الحَاظِر أحْوطَ للنَّفسِ لأنََّ تركُ المباحِ أيسَرُ من الوقوع في الحرام. (الفتاوى: 20/261-262). أصل (372): "إذا تعارضَ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وفعلُه قُدِّمَ القول على الفعلِ في حقّ الأمَّةِ لاحتمالِ أن يكون الفعلُ من خصائصِه". كَحديث النهي عن الوصال مع مواصلته صلى الله عليه وسلم. وحديث النهي عن استقبال أو إستدبار الكعبة عند قضاء الحاجة. مع حديث ابن عمر رضي الله عنه في فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. (التمهيد: 2/330). (إرشاد الفحول: 170). (شرح الكوكب المنير: 2/202).