(ب) الخاص: "التخصيص في الاصطلاح قصر العام على بعض أفراده بدليل يدلُّ على ذلك". كما مرّ سابقاً. (شرح الكوكب المنير: 3/267). (التمهيد: 2/71). أصل (269) : "المخصّص ينقسم إلى متّصل ومنفصل". (أولاً): المخصّص المتّصل: هو ما لا يستقلّ بنفسه بل مرتبطٌ بكلامٍ آخر. وأقسامه خمسة: 1) الاستثناء: نحو: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا...﴾ [النور: 4]. وقوله تعالى: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: 1]. 2) الشرط: نحو قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: 11]. وقوله: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: 33]. 3) الصفة: نحو قوله تعالى: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: 25]. وفي الحديث: ‹‹في الغنم السائمة الزكاة›› [البخاري وأبي داود والنسائي]. 4) الغاية: نحو قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: 222]. وقوله: ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة: 235]. 5) بدل البعض من الكلّ: نحو قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97]. (ثانيا): المخصّص المنفصل: وهو ما يستقلّ بنفسه دون العام من لفظٍ أو غيره. وله أقسام منها: (1) نصوص الكتاب والسنّة: ويكون التخصيص بها على أربعة أنواع: (الأول): تخصيص كتاب بكتاب: كتخصيص عموم قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]. بقوله: ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]. وتخصيص قوله تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ [البقرة: 221]. بقوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: 5]. (الثاني): تخصيص كتاب بسنّة: كتخصيص قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: 24]. بحديث: ‹‹لا تُنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها›› [متّفق عليه]. وتخصيص قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11]. بحديث: ‹‹إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة››. [أحـمد]. (الثالث): تخصيص سنّة بسنّة: كتخصيص الحديث: ‹‹فيما سقت السماء العُشر››. [البخاري]. بقوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة›› [متّفق عليه]. (الرابع): تخصيص السنة بالقرآن: مثاله الحديث: ‹‹ما أبين من حيّ فهو ميّت›› فإنّ عمومه مخصّص بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: 80]. (2) الإجماع: كإجماع المسلمين على أنّ الأخت من الرضاعة لا تحلّ بملك اليمين، فيلزم تخصيص ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المعارج: 30]. (3) القياس: فعموم قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2]. خُصّص بالنصّ وهو قوله في الإماء: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: 25]. فقيس عليها العبدُ فخرج من عموم الزاني الذي يجلد مائة. (4) المفهوم: وهو (أ) مفهوم موافقة و(ب) مفهوم مخالفة. فمثال التخصيص بمفهوم الموافقة قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹ليُّ الواجد ظلمٌ يحلّ عرضَه وعقوبته››. [أحـمد وأبو داود والنسائي]. وقال ابن كثير إسناده جيّد. بمفهوم الموافقة قوله تعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: 23]. فإنّه يُفهم منه منع حبس الوالد في الدّين. ومثال التخصيص بمفهوم المخالفة تخصيص حديث: ‹‹في أربعين شاة شاةٌ›› [أحـمد وأبو داود والترمذي]. بمفهوم المخالفة في قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹في سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة››. [البخاري وأبو داود والنسائي وأحـمد]. فمفهوم "السائمة" أنّه لا زكاة في المعلوفة فتخرج من عموم ‹‹في أربعين شاةٍ شاةٌ››. (5) العرف المقارن للخطاب: ومثاله ما رواه أحـمد ومسلم من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنتُ أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ‹‹الطعام بالطعام مثلاً بمثلٍ››. وكان طعامنا يومئذ الشعير. (شرح الكوكب المنير: 3/277 ، 340). (التمهيد: 2/71). (روضة الناظر: 2/159-169). أصل (270) : "إذا تعارض خبران كل واحد منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر فهما سواء، فيستعمل كل واحد منهما على وجهه". مثاله: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح. مع قوله: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها». فإن أُخذ النهي عن عمومه لم يصل أحدٌ بعد العصر صلاة فائتة. وهذا قول أحمد وأصحاب الشافعي. (العُدّة: 2/627). أصل (271) : "يخصّص العام بالخاص سواء تقدّم عنه أو تأخّر". والدليل أمران: (الأول): إنّ الصحابة كانوا يفعلون ذلك ومن تتبع قضاياهم تحقّق له ذلك عنهم. (الثاني): أنّ دلالة الخاص أقوى من تناول العام له. فدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة››. على عدم إرث فاطمة له أقوى من دلالة عموم ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11]. على إرثها له صلى الله عليه وسلم. وخالف في ذلك أبو حنيفة وقال: "المتأخّر ناسخٌ، والتوقّف عند عدم العلم بالتاريخ"، واستدلّ بقول الزهريّ (كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث). (المسودّة: 134). (روضة الناظر: 2/164). أصل (272) : "إذا تعارض خاصان وجب الترجيح بينهما". كتعارض حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة وهو محرم" [متّفق عليه]. مع حديث ميمونة وأبي رافع بخلاف ذلك. فَرُجِحَ حديث ميمونة لكونها صاحبة القصة، وأبي رافع لكونه السفير بينهما. (مذكرة أصول الفقه: 396). أصل (273) : "إذا تعارض عمومان وتعذَّر الجمع وجب الترجيح، فإن لم يُرجَّح فالأخير ناسخٌ". مثال: ما أمكن فيه الجمع: أحاديث ذم من يشهد قبل أن يُسْتَشْهَدَ، وأحاديث مدحه. ومثال ما وجب فيه الترجيح: حديث وجوب الوضوء مَن مسَّ الذكر، وحديث عدم وجوبه. فَيُرَجَّحُ حديثُ الوضوء بأنّه أحوط. وكذلك ترجيح عموم الآية: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ [النساء:23]. على عموم: ﴿أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون:6]. بأنّه أحوط لأنّه نص مقصود لتحريم النساء وتحليلهنّ بخلاف ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ فإنّه في معرض مدح المتّقين. (روضة الناظر: 2/173). (المسودّة: 141). أصل (274): "اللفظ العام إذا أُريد به الخاص فلا بدّ من دليل على التخصيص". (الفتاوى: 20/271). أصل (275): "الخاص المتأخّر يقضي على العام المتقدّم". وهذا متّفق عليه بين العلماء، وإنّما تنازعوا هل ذلك تفسير أو نسخ؟ الصحيح أنّه تخصيص وبيان، وليس بنسخٍ (الفتاوى: 35/215). أصل (276): "إذا تعارض الخاص والعام فالعمل بالخاص أولى". كالحديث: "اتّقوا البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه". والحديث: "وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها". (الفتاوى: 21/552).