(11) الاجتهادُ: (أ) الاجتهاد: أصل (331) : "الاجتهاد: بذل الوُسع في نيل حكم شرعيّ عمليّ بطريق الاستنباط أو طلب الصواب بالأمارات الدالة عليه". (إرشاد الفحول: 818). (الموافقات: 4/464). وهو في اللغة: مأخوذ من الجُهد، وهو المشقّة والطاقة، أي استفراغ الجهد والطاقة في أيِّ فعلٍ كان. أصل (332) : "يجتهد العلماء المؤمنون: في فهم المراد من النُّصوص، وفي إدراك عِلل الأحكام وفي القبلة وما إلى ذلك". (إرشاد الفحول: 819). (روضة الناظر: 2/414). (التمهيد: 4/310). أصل (333) : "إذا اختلفُوا فالمصيبُ واحدٌ، وكلّ مُجتهدٍ مأجورٌ". (العُدّة: 5/1540). (روضة الناظر: 2/414). لأنّ الحقَّ عند الله واحدٌ. وفي الحديث: ‹‹إذا اجتهد الحاكمُ فأخطأ فله أجرٌ، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران››. [أبو داود]. أصل (334) : "الاختلافُ قسمان: تضادٌّ وتنوعٌ". واختلاف التضادّ : هو أن يُفتي بتحريم شيءٍ ويُفتي آخر بإباحته. واختلاف التّنوع : هو أن يُفتي عالمان بأمرين مختلفين جائزين ، مثل: الاختلاف في عدد التكبيرات في الآذان والإقامة، والاختلاف في التشهُّد، ودعاء الاستفتاح وما إلى ذلك. (الفتاوى: 9/138-141). أصل (335): "ليس للمجتهد أن يكونَ له قولان متناقضان في مسألةٍ واحدةٍ في وقت واحد". ولكن يُمكن أن يتغيّر اجتهاده في المسألة إذا ازداد علمه. (إرشاد الفحول: 854). (روضة الناظر: 2/434). أصل (336): "لا يجوز أن يكونَ الاختلاف في المسائل الاجتهادية سبباً للتفرُّق والتقاطع". لأنّ التفرُّق والتقاطع حرامٌ. قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]. قال الشافعيّ: "رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". (الفتاوى: 3/252 ، 253 ، 344 – 22/172-174). أصل (337) : "الاجتهادُ يقبل التجزئة". أي يجوزُ أن يكونَ الرجلُ عالماً مجتهداً في بابٍ من أبواب العِلمِ ويكونَ طالبَ علمٍ في أبوابٍ أُخرى. ولذلك قالوا المجتهدون على قسمين: مُطلقٌ وجزئيٌّ. (إرشاد الفحول: 831). (الفتاوى: 20/204 ، 212 ، 213). أصل (338): "التمكّن من الاجتهاد لا يتمّ إلا بشروط". (الأول): أن يكون عالماً بنصوص الكتاب والسنة، فإن قصر في إحداهما لم يكن مجتهداً، ولا يجوز له الاجتهاد. والمراد ما يتعلّق بالأحكام. قال الإمام الشوكاني في إرشاد الفحول (ص: 822): "ولا يخفاك أن كلام أهل العلم في هذا الباب من قبيل الإفراط، وبعضه من قبيل التفريط، والحق الذي لا شكَّ فيه ولا شبهة أن المجتهد لا بدّ أن يكون عالماً بما اشتملت عليه مجاميع السنة التي صنفها أهل الفن، كالأمهات الست وما يلحق بها، مشرفاً على ما اشتملت عليه المسانيد والمستخرجات والكتب التي التزم مصنفوها الصحة، ولا يشترط في هذا أن تكون محفوظة له مستحضرة في ذهنه، بل يكون ممن يتمكن من استخراجها من مواضعها بالبحث عنها عند الحاجة إلى ذلك. وان يكون ممن له تمييز بين الصحيح منها والحسن والضعيف بحيث يعرف حال رجال الإسناد معرفة يتمكن بها من الحكم على الحديث بأحد الأوصاف المذكورة، وليس من شرط ذلك أن يكون حافظاً لحال الرجال عن ظهر قلب، بل المعتبر أن يتمكن بالبحث في كتب الجرح والتعديل من معرفة حال الرجال مع كونه ممن له معرفة تامة بما يوجب الجرح وما لا يوجبه من الأسباب وما هو مقبول منها وما هو مردود وما هو قادح من العلل وما هو غير قادح". (الثاني): أن يكون عارفاً بمسائل الإجماع حتى لا يُفتي بخلاف ما وقع الإجماع عليه. (الثالث): أن يكون عالماً بلسان العرب، بحيث يمكنه تفسير ما ورد في الكتاب والسنة من الغريب. قال الشافعيّ: "يجب على كلّ مسلم أن يتعلّم من لسان العرب ما يبلّغه جهده في أداء فرضه". (الرابع): أن يكون عالماً بعلم أصول الفقه لاِشتماله على ما تمسّ الحاجة إليه. (الخامس): أن يكون عارفاً بالناسخ والمنسوخ، بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك مخافة أن يقع في الحكم بالمنسوخ. جاء في "كتاب الاعتبار" عن عليّ أنّه مرَّ على قاصٍ. فقال: تعرفُ الناسخ والمنسوخ. قال: لا. قال: هلكت وأهلكتَ. ولا بُدّ مع هذا أن يكون تقيّاً يبتغي بعلمه وعمله وجه الله تعالى كي يستفيد منه العباد. (إرشاد الفحول: 819 - 824). أصل (339): "إذا تعارض دليلان عند المجتهد ولم يترجّح أحدهما وجب عليه التوقُّف". (نزهة النظر: 39). أصل (340) : "ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى أهله إلى اجتهاد مطلق واجتهاد مقيّد". قال الإمام ابن القيم في "أعلام الموقّعين عن ربّ العالمين" [4/212-214]: (1) مجتهد مطلق: وهو العالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة فهو المجتهد في أحكام النوازل يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت، فهذا النوع هم الذين يسوغ لهم الإفتاء والاستفتاء، وهم المجدّدون لهذا الدّين القائمون بحجة الله في أرضه. (2) مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله عارف بها متمكن من التخريج عليها، وقياس ما لم ينص من ائتم به عليه على منصوصه من غير أن يكون مقلداً لإمامه لا في الحكم ولا في الدليل لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفُتيا ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرّره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معاً. (3) مجتهد مقيَّد في مذهب من انتسب إليه مقرر له بالدليل مُتْقِنٌ لفتاوِيه، عالم بها لا يتعدى أقواله وفتاوِيْهِ ولا يخالفها، وإذا وجد نصّ إمامه لم يعدل عنه إلى غيره البتة. بل بنصوص إمامه فهي عنده كنصوص الشارع، قد اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة. وقد كفاه الإمام استنباط الأحكام ومؤنة استخراجها من النصوص. وشأن هؤلاء عجيب، إذ كيف أوصلهم اجتهادهم إلى كون إمامهم أعلم من غيره، وأنّ مذهبه هو الراجح والصواب دائر معه، وقعد بهم اجتهادهم عن النظر في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واستنباط الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النصّ. (4) مجتهدٌ في مذهب من انتسب إليه، وحفظ فتاوى إمامه وأقرّ على نفسه بالتقليد المحضّ له، من جميع الوجوه. وذكر الكتاب والسنة عنده يكون على وجه التبرك والفضيلة لا على وجه الاحتجاج به والعمل، بل إذا رأى حديثاً صحيحاً مخالفاً لقول من انتسب إليه أخذ بقوله وترك الحديثَ. فليس عند هؤلاء سوى التقليد المذموم. (أعلام الموقّعين: 1/212-214). أصل (341): "على العالِم الاجتهادُ، وعلى العاميّ السؤالُ". أي أنّ من قدر على الاجتهاد لا يجوز له التقليد لكونه مأموراً باتّباع الدليل، ومن لم يقدر على الاجتهاد وجب عليه السؤال لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]. (إرشاد الفحول: 876). (روضة الناظر: 2/437). (الفتاوى: 19/261). أصل (342): "لازم المذهب ليس بمذهب إذا لم يلتزمه". لأنّ الإنسان رُبّما اعتقد عقيدةً وهو يُنكر لازمها. (الفتاوى: 20/217-219). أصل (343): "لا يمتنع من الاستماع ممن خالفه لأنّه قد يتنبّه ويزداد به تثبيتاً فيما اعتقد من الصواب". قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: 18]. (الرسالة: 510). أصل (344): "الاختلاف المحرّم هو الاختلاف في الحكم الثابت الذي لا يحتمل التأويل". وهو كاختلاف أهل الكتاب: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]. (الرسالة: 560). أصل (345): "الاختلاف في الحكم الذي يحتمل التأويل وله مجال للاجتهاد يجب أن يُعذر بعضهم بعضاً". كاختلاف الصحابة في المراد بالقرء في قوله تعالى: ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]. وما شاكل ذلك. (الرسالة: 560). أصل (346): "العقلُ تابعٌ للنقل". إذا ثبت الخبر أو الحكم بنقل صحيح وجب المصير إليه سواء عرف العقل الحكمة أو لم يعرف. ولا يخالف صحيح المنقول صريح المعقول. (الموافقات: 1/79). (الفتاوى: 5/29-30). (3/338-339). (الموفقات: 3/24). أصل (347): "يُنقَضُ حكم الحاكم إذا خالف النصّ أو الإجماع، ولا ينقض مع الخطأ في الاجتهاد". وذلك أن مصلحة نصب الحاكم تناقض نقض حكمه، ولكن ينقض مع مخالفة الأدلّة لأنّه ظهر أنّه حكم بغير ما أنزل الله. (الموافقات: 4/533). أصل (348): "إذا تعلّق الاجتهاد بتحقيق المناط فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشريعة ولا إلى معرفة اللغة العربية". مثل من عرف أنّ المسكر حرام وأنّه خمرٌ إذا رأى من يشرب شراباً يعلم أنّه مسكرٌ فقد عرف أنّه شارب وعليه حدُّ الشرب، ولا يُقال له لا تُفتِ حتى تعلم مقاصد الشريعة واللغة العربية. ومن عرف أنّ المريض يُرخّص له في التيمم .. فإنّه إذا رأى من ثقل به المرض ويريد التوضؤ بالماء البارد فإنّه يأمره بالتيمم، وإن كان لا يعرف اللغة العربية ولا مقاصد الشريعة، وأولى من هذا وذاك من رأى من يشرك بالله الشرك الأكبر المعروف بالأدلّة فإنّه يدعو إلى تركه والتوبة منه وإخلاص العبادة لله وإن كان لا يعرف اللغة العربية ولا مقاصد الشريعة. (الموافقات: 4/527). أصل (349): "لا يُتّبَعُ العالم في زلّته، ولا يجوز التشنيع عليه بِها". أما اتّباعه في الزلّة فإنّه لا يجوز، لأنّ الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأما عدم تشنيعه بالزلّة فلأنّه مأجور له أجر اجتهاده وإن أخطأ. فابن عباس رضي الله عنهما لم ير في ربا الفضل بأساً، وكذلك عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وجابر بن زيد وعكرمة. وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ. وكثير من فقهاء الكوفة لم يروا بشرب النبيذ بأساً إن لم يكن من العنب، وهذا أمرٌ مشهور. (الموافقات: 4/532). أصل (350): "الشريعة على قولٍ واحدٍ لا اختلاف فيها، وإنّما الاختلاف من جهة نظر المجتهد". قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82] ولكن الإنسان العالم قد يعجز عن الجمع بين الأدلّة ويمكن أن يراها مختلفة في نظره، وذلك لقصوره وضعفه البشري، ولا خلاف في إمكان وقوع الاختلاف في نظر المجتهدين. (الموافقات: 4/640).