(ب) الاجتهاد في العلّة: أصل (303) : "الاجتهاد في العلّة على ثلاثة أضربٍ: تنقيح المناط، وتحقيقه، وتخريجه". (الفتاوى: 22/329). (روضة الناظر: 2/229). أصل (304) : تنقيح المناط: "وهو أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم حكم في معيّن، وقد عُلم أنّ الحكم لا يختصّ به فيريد أن ينقّح مناط الحكم ليعلم النوع الذي حكم فيه". مثال: الذي جامع في رمضان : (1) فمذهب أحمد والشافعي أنّ مناط الحكم كونه مجامعاً في رمضان . (2) ومذهب مالك وأبو حنيفة كونه مفطراً في رمضان. مثال آخر: قوله صلى الله عليه وسلم ‹‹أنزل عنك الخلوق››. (1) هل مناطُ الحكم لكون المحرم لا يستديم الطيب. (2) أو لكونه نَهى أن يتزعفر الرجل. مثال آخر: الحديث: ‹‹ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم››. (1) هل المؤثر عدم التغيّر بالنجاسة. (2) أو لكونه جامداً. (3) أو كونها فأرة وقعت في سمن فلا يتعدّى إلى سائر المائعات. ولا يسمّى قياساً عند كثير من العلماء كأبي حنيفة ونفاة القياس لاتّفاق الجميع على العمل به كما اتّفقوا على تحقيق المناط. (الفتاوى: 19/14 ، 15). (روضة الناظر: 2/232). أصل (305) : تحقيق المناط: "وهو أن يُعلِّق الشارع الحكم بمعنى كليّ فَيُنْظَرُ في ثبوته في بعض الأنواع وبعض الأعيان". كالأمر باستقبال القبلة، واستشهاد شهيدين، وكتحريم الخمر والميسر، وكفرضه تحليل اليمين بالكفارة، وكتفريقه بين الفدية والطلاق، فيبقى النظر في بعض الأنواع هل هي خمر أو يمين وميسر وفدية أو طلاق. وفي بعض الأعيان: هل هذا المصلّي مستقبل القبلة، وهذا الشخص عدلٌ مرضيٌّ ونحو هذا. وهذا النوع من الاجتهاد متّفق عليه بين العلماء بل بين العقلاء. (الفتاوى: 19/16). (روضة الناظر: 2/229). أصل (306) : تخريج المناط: "هو القياس المحض". وهو أن يُنصّ على حكم في أمور قد يظنّ أنّه يختصّ الحكم بِها فيُستدلُّ على أنّ غيرها مثلها، إمّا لانتفاء الفارق أو للاشتراك في الوصف الذي قام الدليل على أنّ الشارع علّق الحكم به في الأصل. فهذا هو القياس الذي تقرُّ به جماهير العلماء وينكره نفاة القياس، وإنّما يكثر الغلط فيه لعدم العلم بالجامع المشترك الذي علّق الشارع الحكم به. ومن أصرح الأدلّة على إثبات القياس ما ثبت في الصحيحين من قصة الذي وُلِدَ له ولدٌ أسود يخالف لونه لون أبيه وأمه فقاسه النبي صلى الله عليه وسلم على أولاد الإبل الحمر يكون فيها الأورق، وقال له: (فلعلّه نزعه عرق) وقوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن القُبلة للصائم: ‹‹أرأيتَ لو تمضمض››. [أبو داود وأحـمد]. وقوله صلى الله عليه وسلم في القضاء: ‹‹أرأيتَ لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه؟››. قالت: "نعم". قال: ‹‹فدينُ الله أحقّ أن يقضى››. [البخاري]. (روضة الناظر: 2/233). (الفتاوى: 19/17). أصل (307) : "الإلحاق ضربان: الإلحاق بنفي الفارق، والإلحاق بالجامع". وضابط الأول: أنّه لا يحتاج فيه إلى التعرّض للعلّة الجامعة، بل يكتفي فيه بنفي الفارق المؤثر في الحكم، كإلغاء الفارق بين البول في الماء الراكد، وبين البول في إناء وصبّه فيه. وضابط الثاني: هو الإلحاق بالعلّة الجامعة كإلحاق الذرّة بالبرّ بجامع القوت. (الفتاوى: 19/17 ، 285). (روضة الناظر: 2/256). أصل (308) : "نفي الفارق على أقسام أربعة" (الأول): هو ما كان المسكوت عنه فيه أولى بالحكم من المنطوق مع القطع بنفي الفارق، كإلحاق أربعة عدول بالعدلين في قبول الشهادة في قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ [الطلاق: 2]. وإلحاق مثقال الجبل بمثل الذرّة في المؤاخذة في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8]. وكإلحاق الضرب بالتأفيف في الحرمة في قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ...﴾ [الإسراء: 23]. (الثاني): هو ما كان المسكوت عنه فيه مساوياً للمنطوق مع القطع بنفي الفارق. كإلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في الحرمة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [النساء: 10]. وكإلحاق صبّ البول في الماء الراكد بالبول فيه المذكور في حديث: ‹‹لا يبولنَّ أحدُكم في الماءِ الدائمِ الذي لا يجري ثم يغتسل فيه››. [متّفق عليه]. (الثالث): هو ما كان المسكوت عنه فيه أولى مع نفي الفارق بالظنّ الغالب. كإلحاق شهادة الكافر بشهادة الفاسق في الردّ المنصوص عليه بقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 4]. لاحتمال الفرق بأنّ الكافر يحترز عن الكَذِبِ لدينه في زعمه، والفاسق متّهمٌ في دينه. وكإلحاق العمياء بالعوراء في منع التضحية كما جاء في الحديث: ‹‹أربع لا يجزن: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي››. [أحـمد وأهل السنن]. (الرابع): هو ما كان المسكوت عنه فيه مساوياً للمنطوق مع كون نفي الفارق مظنوناً لا مقطوعاً، كإلحاق الأَمّة بالعبد في سراية العتق المنصوص عليه في العبد في الحديث الصحيح: ‹‹من اعتق شركاً له في عبد قُوِّمَ عليه قيمة عدل››. [الموطأ / وسنن البيهقيّ]. (روضة الناظر: 2/254). (شرح الكوكب المنير: 3/482-488). أصل (309): "اُختُلِف في دلالة نفي الفارق، هل هي قياسية أو لفظية" نفي الفارقِ هو من تنقيحِ المناط وهو مفهومُ الموافقة بعينه، ولكن اختلفوا في دلالته على أربعة مذاهب: (الأول): أنّ دلالة مفهوم الموافقة من قُبيل القياس عند الشافعيّ، ويُقال له القياس الجليّ. (الثاني): أنّ دلالة الموافقة لفظية، لكن لا في محلّ النطق، لأنّ ما دلّ عليه النصّ في محلّ النطق هو المنطوق، وما دلّ عليه لا في محل النطق هو المفهوم، وكلاهما من دلالة اللفظ. (الثالث): أنّها دلالة لفظية مجازيةٌ -عند القائلين بالمجاز- قالوا: وفي مفهوم الموافقة يُطلق الجزء ويُراد الكلّ، أي يُطلق الأخصّ ويُراد الأعمّ. فقد أطلق التأفيف في الآية وأُريد به عموم الأذى. (الرابع): أنّها لفظية، لأن العُرف اللغويّ نقل اللفظ من وضعه لمعناه الخاص إلى ثبوته فيه. فَعُرْفُ اللُّغة نقل التأفيف من معناه الخاص إلى عموم الأذى. (شرح الكوكب المنير: 3/483-486). (العُدّة: 4/1333). أصل (310): "يتطرّق الخطأ إلى القياس من خمسة أوجه". (الأول) أن لا يكون الحكم معلّلاً فيكون القائس مخطئاً في تعليله، كمن ظنّ أن علّة انتقاض الوضوء بلحم الجزور هو أنّه لشدّة حرارته. (الثاني) أن لا يصيب علّته مثل أن يعتقد أنّ علّة الربا في البرّ الطعم فيلحق به الخصروات. (الثالث) أن يقصر في بعض أوصاف العلة: مثل أن يقول: القتل يوجب القصاص إذا كان "عمداً". فيُقالُ له نقصتَ من أوصاف العلّة وصفاً وهو الآلة الصالحة للقتل. (الرابع) أن يجمع إلى العلة وصفا ليس منها (الخامس) أن يخطىء في وجودها في الفرع: مثل أن يظنّ بعض الأشربة مسكرة فيلحقه في تحريم المسكرات. (روضة الناظر: 2/252).