(ج) شرع من قبلنا: أصل (223): "كون شرع من قبلنا شرعاً لنا يحتاج إلى تفصيل". أنّ ما يقال أنّه شرعُ من قبلنا له أقسامٌ ثلاثة: (الأول): ما ثبت بشرعنا أنّه كان شرعاً لمن قبلنا ثم ثبت بشرعنا أنّه شرعٌ لنا، كالقصاص فإنّه يكون شرعاً لنا إجماعاً. قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...﴾ [المائدة: 45]. وقال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ...﴾ [البقرة: 178]. (الثاني): ما لم يثبت بشرعنا أصلاً كالمأخوذ من الإسرائيليات أو ثبت بشرعنا أنّه كان شرعاً لهم وصُرِحَ في شرعنا بنسخه كالإصر والأغلال التي كانت عليهم كما جاء في القرآن: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157]. فهاتان الحالتان لا يكون شرع من قبلنا شرعاً لنا إجماعاً. (الثالث): ما ثبت بشرعنا أنّه كان شرعاً لمن قبلنا ولم يُصرَح بنسخه في شرعنا، فهذا الذي فيه اختلاف، والجمهور على أنّه شرعٌ لنا، ومشهور مذهب الشافعيّ على أنّه ليس شرعاً لنا واستدلّ بقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]. وحمل رحمه الله "الهُدى" في قوله تعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 90]. و "الدِّين" في قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ [الشورى: 13]. على خصوص التوحيد دون فروعه. وحجّة الجمهور أنّه ما ذُكر ذلك إلاّ لنعمل به سواءً أكان شرعاً لمن قبلنا أم لا، مع أنّ الله صرح بأنّ الحكمة في قصّ أخبارهم إنّما هي الاعتبار بأحوالهم: قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف: 111]. واستدلُّوا بقوله تعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 90]. ودلّت النصوص على شمول الهدى والدِّين للأمور العلمية والعملية. وفي صحيح البخاري عن مجاهد أنّه سأل ابن عباس من أين أُخِذَتْ السجدة في (ص)؟ أو ما تقرأ ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ﴾ حتى بلغ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 90]. فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. (العُدّة: 3/753). (المسودّة:193). (التمهيد: 2/411-425). (مذكرة أصول الفقه: 289). أصل (224): "اختلفوا في كون النبي صلى الله عليه وسلم متعبّداً بشريعة من قبله". أما قبل البعثة فلا تتعلّق بذلك فائدة، كما لا تتعلّق بمعرفة الاختلاف والأقوال المتعارضة. قال الشوكاني: وأقرب هذه الأقوال قول من قال: إنّه كان متعبّداً بشريعة إبراهيم عليه السلام. وقال: فلو قدرنا أنّه كان على شريعة قبل البعثة لم يكن إلاّ عليها. أما البعثة فالراجح أنّه كان متعبّداً بشرع من قبله من الرسل إذا ثبت ذلك عنده. وصحّ من حديث ابن عباس: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدلُ شعره، وكان رسول الله يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه شيءٌ، ثم فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه". (إرشاد الفحول: 779). (العُدّة: 3/765).