(ج) مقاصد الشريعة: أصل (71): "الشريعة وُضعت لمصالح العباد". قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]. وقال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56] وقال الله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: 6]. وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]. وقال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 179]. وقال الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحجّ: 39]. (الموافقات: 2/322). أصل (72): "المقاصد التي تحفظها التكاليف الشرعية ثلاثة أقسام: ضرورية وحاجية وتحسينية". فالضرورية: هي ما لا بدّ منه في قيام مصالح الدِّين والدنيا بحيث إذا فقدت فسدت حياة الإنسان في الدنيا والآخرة. مثل: حفظ الدِّين والنفس والمال والنسب والعرض والعقل. والحاجية: ما يؤدي بفقده إلى الحرج والمشقّة، ولا يبلغ مبلغ الفساد كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقّة بالمرض والسفر، وكذلك إباحة الصيد والتمتّع بالطيبات مما هو حلال مأكلاً ومشرباً وملبساً ومركباً ومسكناً. وكالبيع والقِراض والمساقات وسائر المعاملات. والتحسينية: هي محاسن العادات وتجنّب المدنّسات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق، وليس فقدانها بمخلّ بأمرٍ ضروري ولا حاجي وإنّما جرت مجرى التحسين والتزيين. ومثالها: الطهارات وستر العورة وأخذ الزينة والتقرّب بنوافل الخيرات من الصدقات. وفي العادات: كآداب الأكل والشرب ومجانبة المآكل النجاسات والمشارب المستخبثات والإسراف والإقتار في المتناولات وكالمنع من بيع النجاسات والماء والكلأ وقتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد. (الموافقات: 2/324-327). أصل (73): "والحفظ للضرورات يكون بأمرين : (الأول): بفعل ما به قيامها. (الثاني): بترك ما به تنعدم". وحفظ النفس والعقل يكون بأمرين: (الأول) تناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات. (الثاني) بإقامة حدّ القصاص وحدّ الخمر. وحفظ النسل والنسب والعرض يكون بأمرين: (الأول) الزواج وابتغاء الولد (الثاني) إقامة حدّ الزنا والقذف وتحريم الخلوة بأجنبية وسفر المرأة منفردةً. وحفظ المال يكون بأمرين: (الأول) بتحصيله والمحافظة عليه. (الثاني) إقامة حدّ السرقة والحرابة، وتحريم الإسراف والتبذير. (الموافقات: 2/324). أصل (74): "مخالفة الهوى ليست من المشقّات المعتبرة في التكليف". وذلك أنّ مقصود الشرع هو إبعاد المكلّف عن اتّباع الهوى حتى يكون عبداً لله؛ فلم يعتبرها وإن كانت شاقّة في مجارى العادات. (الموافقات: 2/454). أصل (75): "ليس للمكلّف أن يقصد المشقّة بل يقصد العمل". لأنّ الله تعالى لا يقصد بالتكليف المشقّة والعسر: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. وكلّ قصدٍ خالف قصد الشارع فهو باطلٌ. فإن قصد العمل وصبر على مشقّته عظُم أجرُه.والأحاديث التي يُستدُّل بِها على مشروعية قصد المشقّة لا تعارض هذه القاعدة، لأنّها أخبار آحاد، والظنّيات لا تعارض القطعيات. وحديث: "بني سلمة دياركم، تُكتب آثاركم". جاء في البخاري ما يفسّره. فإنه زاد فيه: "وكره أن تُعرّى المدينة قبل ذلك لئلاّ يخلوا ناحيتها من حراسها". (الموافقات: 2/434). أصل (76): "من مقاصد الشريعة: رفع الحرج عن المكلّف". والحرج مرفوع لوجهين: (الأول) الخوف من الانقطاع وبغض العبادة وكراهة التكليف. (الثاني) خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلّقة بالعبد المختلفة الأنواع. (الموافقات: 2/440). أصل (77): "المشقّة خاصّة وعامة". فالخاصة: هي الحاصلة من نفس العمل كالذي يلحقه الحرج من كثرة العبادة. والعامة: مثل الوالي المفتقر إليه لكونه ذا كفاية فيما أُسند إليه إلاّ أنّ الولاية تشغله عن الانقطاع إلى عبادة الله والأنس بمناجاته.. فوجب النظر في وجه اجتماع المصلحتين مع انتفاء المشقّتين إن أمكن ذلك، وإلاّ رجّح إحدى المصلحتين، فإن كانت المشقّة العامة أعظم اعتبر جانبها وأهمل جانب الخاصّة، وإن كان بالعكس فالعكس. ويُروى عن عمر رضي الله عنه أنّه قال ما معناه: "إذا نمتُ الليل ضاعت نفسي، وإذا نمتُ النهار ضاعت الرعية". (الموافقات: 2/456). أصل (78): "المشقّة التي يُطيقها الإنسانُ قسمان: معتادة وخارجة عن المعتاد". فالخارجة عن المعتاد قسمان: (الأول) مختصة بأعيان الأفعال المكلّف بِها. بحيث لو وقعت مرّة واحدة لوجدت فيها. (الثاني) غير مختصّة بأعيان الأفعال، ولكن إذا نُظر إلى كليات الأعمال والدوام عليها صارت شاقّة. وليس في الشريعة التكليف بالشاقّ والإعنات فيه. والدليل على ذلك أمور: 1) النصوص: كقوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157]. و ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا﴾ و ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: 286]. وفي الحديث: قال الله تعالى: قد فعلتُ. 2) ما ثبت من مشروعية الرخص كرخص القصر والفطر والجمع. 3) الإجماع على عدم وقوعه. والمعتادة قسمان: (الأول) صارت مشقّة، لأنّ نفس التكليف بالعمل زيادةٌ لما جرت العادة به قبل التكليف. (الثاني) يلحِقُ المكلّف مشقّة بسبب مخالفة الهوى. (الموافقات: 2/425).