(الحادي والعشرون) التكفير 229) يُؤمنُون بأنَّ الله الذي خلق النّاس هو الذي قسمهم إلى قسمين: مؤمنين و كافرين، فوصف بعضهم بالإيمان، ووصف بعضهم بالكفر. قال الله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (التغابن: 2) فمن سمَّى الكافر مُؤمنا، أو المُؤمن كافراً بهواهُ، فقد عارض الله، وردَّ شرعهُ. 230) يُؤمنُون بأنَّ التكفير حقٌّ لله، وحُكمٌ شرعيٌ يجب الانقياد، له كغيره من أحكام الله، وليس للرأي موضعٌ فيه. وأنَّ الكافرَ الَّذي يُكفرهُ اللهُ ورسُولهُ، هو من اتَّصف بالكُفر المُخرج من الملَّة. 231) يُؤمنُون بأنَّ مجال أهل العلم في أحكام النَّاس ليس هو وضع ما هو كُفرٌ، وما ليس بكُفرٍ، وإنَّما هُو النَّظر في أحوال النَّاس، وبيان حُكم الله في أمثالهم، فإن تحقَّق الإسلامُ الظاهر فيهم، قالُوا: "إنَّهم مُسلمُون". وإن تحقَّق الكُفرُ الظاهرُ فيهم، قالُوا: "إنَّهم كُفارٌ". 232) يُؤمنُون بأنَّ التكفير القائم على الميزان الشرعي من الدِّين، قال اللهُ تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ" (الكافرون: 1-2) وأنَّ التكفير القائم على الهوى والانفعالات ضلال، وأنَّ رمي المُسلم بالكُفر بغير حقٍّ كقتله في الإثمِ. 233) يُؤمنُون بأنَّ تكفيرَ المشرك -سواء انتسب إلى الإسلام، أو لم ينتسبْ إليه- من أصل الدِّين الَّذي لا عُذر لأحد فيه، لأنَّ من لم يعرف الكُفر، لم يعرف الإيمان. فإنّ الّذي وحَّد الله وترك الشرك بالله، ابتغاء وجه الله، إذا اعتقدُ أنَّ العابد لغير الله مسلم موحِّدٌ، لم يعرف التَّوحيد، وإن ادَّعاه. كما أنَّ الذي آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، إذا آمن بأنَّ مسيلمة رسُول الله، وأنَّهُ كمحمد صلى الله عليه وسلم في الصدق، فإنَّهُ يُعتبرُ كافراً خارجاً عن الملّة، وبطل انتسابهُ إلى الملَّة، وعُدَّ من الكافرين بمُحمَّد صلى الله عليه وسلم. 234) يُؤمنُون بأنَّ من لم يُكفِّر الكافر الواقع في الكُفر الأكبر الصريح، بعد علمه بحاله أنَّهُ كافرٌ مثله. ومن علم إسلامهُ، ولم يعلم ردَّتهُ فهو معذُور. 235) يُؤمنُون بأنَّهُ قد تعرض لبعض المسلمين شُبهة تُوقفهم عن التكفير، أو العقوبة، وتدعُوهم إلى التحقيق، مثل من كان يعلم منهم الإسلام، ولم يعلم بالردَّة، أو رأى عدم عدالة الشهُود بالردَّة، كما اختلف خالد وعمر في مالك بن نويرة، وأمثال ذلك. ولكن لا عُذر للعالم بحالهم في التوقف. 236) يُؤمنُون بأنَّ العلماء المختلفين في تكفير شخص، في مسألة اجتهادية، لا يحلُّ لهم أن يُكفِّرَ بعضهم بعضاً. كما اختلف الأئمة في تكفير بعض الفرق المُبتدعة، وفي تكفير تارك الصلاة تكاسُلاً. 237) يُؤمنُون بأنَّ ما يكفُرُ به الفردُ، تكفرُ به الطائفة إذا أظهرتهُ. والتكفيرُ الّذي ليس من باب الاجتهاد، في حقِّ الفرد، يكُون كذلك في حقِّ الجماعة. 238) يُؤمنُون بأنَّهُ إذا كان الفردُ المعيَّن، أو الطائفة أوالقبيلة المعيَّنة، خارجة عن أصل من أصُول الإيمان، كالتَّوحيد أو الرسالة أو الوعد والوعيد، فالتكفير حينئذ ليس من باب الاجتهاد، وليس موقُوفاً على العلماء، بل من لم يُكفرهم من عامة المسلمين فهو كافرٌ. 239) يُؤمنُون بأنَّهُ إذا كان الفردُ المعيَّن، أو الطائفة أوالقبيلة المعيَّنة، جاحدة أو خارجة عن أمرٍ معلُومٍ من الدِّين بالضرُورة، كالصلاة والزكاة والصيام والحجِّ والجهاد، أو كانت تستحلُّ الحرام المعلُوم تحريمه من الدِّين بالضرُورة، كاستحلال الدماء، أوالخمر، أوالميسر، أو نكاح ذوات المحارم، أو الزنا، وغير ذلك، فكفرها من المعلُوم من الدين بالضرُورة، وتكفيرها حينئذ ليس من باب الاجتهاد، وليس موقُوفاً على العلماء، بل من لم يُكفرهم بعد معرفته بحالهم، فهو كافرٌ. 240) يُؤمنُون بأنَّهُ إذا كان الفردُ المعيَّن، أو الطائفة أوالقبيلة المعيَّنة، تعتقدُ بعقيدة مخالفة لنصٍّ قطعيٍّ ثابت، لا شكَّ في ثُبُوته، ولكنَّهُ من المقالات الخفية، الَّتي تشتبهُ على بعض النّاس، وليس من المعلُومٍ من الدِّين بالضرُورة، فإنَّها تُبدَّعُ، كالخوارج والمعتزلة وأمثالهم، وتكفيرهم من باب الاجتهاد، ويُقالُ للمُعيَّن منهم مُخطئٌ ضالٌّ، لم تقم عليه الحجَّة التي يكفرُ تاركها. 241) يُؤمنُون بأنَّ تكفير المسلم ليست على درجة واحدة، فمن كفّر مسلماً قائلاً "يا كافر"، لا لسبب آخر إلاّ أنه يوحّد الله، فرماه بالكفر بُغضاً لتوحيده، وظنّاً منه أن التوحيد كفرٌ، فهذا لا شكّ في كفره، لجهله للتوحيد وبُغضه له. 242) ومن كفّر مسلماً لا يُعرَفُ منه إلا الإسلام، وليس فيه شبهة، قائلاً "يا كافر"، واعتقد ذلك، فقد وجب عليه الكُفر، لأنَّهُ جعل الإسلام كُفراً. فإن قال لهُ ذلك من باب السبّ، فأمرٌ خطير، وقد ورد ما يدلُّ على أنَّهُ يكفُرُ بذلك. ففي الحديث: "وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ الله، وَلَيْسَ كَذلِكَ. إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ" (متفق عليه). وفي بعض طرقه "وجب الكفر على أحدهما". 243) ومن كفّر مسلماً من غير بُغضٍ لتوحيده، ولكن بُغضاً لذنبه، وظنّاً منه أنَّ الذنوب تُخرج أصحابها من الملّة، فهذا مُبتدعٌ، وبدعته كبدعة "الخوارج"، وكانوا من أهل التوحيد، ثم خالفوا الشريعة جهلاً وتأويلاً أخطؤا فيه. ويكُونُ الواجب على أهل العلم والسُلطان، تجاه الخوارج، إزالة الشُبهة، وإقامة الحجَّة. ثمَّ قتالهم إذا خرجُوا وسفكُوا دماء المسلمين. 244) ومن كفّر مسلماً بدر منه ما هو من علامات النفاق، فرماه بنفاق غيرةً لله ولدينه فهو مجتهدٌ. كما قال عمر رضي الله عنه عن حاطب، لما أفشى سرّ النبي صلى الله عليه وسلم "دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَـذَا الْمُنَافِقِ". (البخاري) 245) يُؤمنُون بأنَّ إدخال الكافر في الإسلام، ليست على درجة واحدة، فمن اعتقد أنَّ الكافر العابد لغير الله، أنَّهُ مسلمٌ، وهو عالم بكفره وشركه الأكبر، فهو كافرٌ مثله لأنه ظهر أنه يجهل الإيمان بالله، فإن عادى مع ذلك الموحّدين ازداد أمرهُ وضوحاً. 246) ومن اعتقد أنَّ المبتدع الكافر ببدعته، الذي أقيمت عليه الحجة، وكفّره العلماءُ، أنَّهُ مسلمٌ بسبب جهله لمسألته، فهذا لا يكفّر حتى تبيّن له الحقيقة، فإن أصرَّ بعد ذلك ألحق به. 247) ومن اعتقد بإسلام الكافر، بسبب إظهار الكافر للإسلام والصلاح، وإخفائه لكفره، لم يكن كافراً بل ولا آثماً. لأنَّهُ مُتَّبعٌ للشريعة الآمرة بالاكتفاء بظاهر المنافقين. 248) يُخالفُ أهلَ السنَّة الخوارج المُكفِّرين بما دون الشرك الأكبر من الذنُوب، والمُرجئة المُعاصرة الَّذين لا يُكفِّرُون بالشرك والكُفر الأكبر، ويُوالُون المُشركين، ويُعادُون المُوحدين. نعُوذُ بالله من الخذلان.