(الثالث عشر) القدر 152) يُؤمنُون بقدر الله، وأنَّهُ على درجتين: (الأولى) الإيمانُ بعلم الله السابق للحوادث والكائنات. (الثانية) الإيمان بمشيئة الله الطليقة، وأنَّهُ لا يقعُ في ملكه إلا ما أراد. 153) ويُؤمنُون بأنَّ ما أصاب الإنسان، لم يكُن ليُخطئه، وما أخطأهُ لم يكُن ليُصيبه. كما قال تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (الحديد:22) وقال: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر:49) وفي الحديث الصحيح: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". 154) ويُؤمنُون باللوح والقلم، وبجميع ما كُتب فيه، وأنَّ الخلق عاجزُون عن تغييره. فلو اجتمعوا ليجعلُوا كائنا في اللوح غير كائن، أو ليجعلُوا غير كائن كائناً، لم يقدروا عليه. لقد جفَّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة. 155) ويُؤمنُون بأنَّ الإيمان بالقدر خيره وشرِّه، إيمان بالكتاب. والكُفرُ بالقدر كُفرِ بالكتاب. وأنَّ إنكار المتأولين للقدر بدعة تؤول إلى الكفر، لأنّها تؤول إلى تكذيب القرآن. 156) ويُؤمنُون بأنَّ الميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق. قال تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا" (الأعراف:172) 157) ويُؤمنُون بأنَّ الله تعالى قد علم عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه. وكلٌ ميسرٌ لما خلق له. 158) يُؤمنُون بأنَّ الله تعالى خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقدارا، وضرب لهم آجالا، ولم يخفَ عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته. ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن. قال تعالى: "وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُۥ تَقْدِيرًا" (الفرقان:2). وقال: "وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا" (الأحزاب:38). 159) ويُؤمنُون بأنَّ الله يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلا. وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله. 160) يُؤمنُون بأنَّ الأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله. قال تعالى: "فمنهم شقيٌّ وسعيد" (هود:105) 161) يُؤمنُون بأنَّ أصل القدر سرُّ الله في خلقه، وأنَّ الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه. وقال في كتابه "لا يُسْئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئلُونَ". فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين. 162) يُؤمنُون بأنَّ العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود. فإنكار العلم الموجود كفرٌ، وادِّعاءُ العلم المفقود كفرٌ. ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود، وترك طلب العلم المفقود. ويُحذِّرُون كل الحذر من التعمق والنظر والخصُومة والجدال فيه. 163) يُؤمنُون بأنَّ الله قد أمر العباد بطاعته، وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لا يحبُّ الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحبُّ الفساد. 164) و يُؤمنُون بأنَّ للعباد قُدرة وإرادة، والله خالق قدرتهم وإرادتهم: قال الله تعالى: "لمن شاء منكم أن يستقيم، وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين" (التكوير:28-29) 165) ويُخالفُ إعتقاد أهل السُنَّة في باب أفعال الله طائفتان: (الأولى) القدرية "المعتزلة": غلوا في إثبات مشيئة العباد، حتى كذَّبُوا بمشيئة الله، وأنَّ ما شاء كائنٌ، وما لم يشأ لم يكُن. (الثانية) الجبرية، أو المُجبرة: غلوا في إثبات مشيئة الله، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره، واستوى عندهم المُؤمن والكافر، وأهلُ الجنَّة وأهلُ النَّار، إذ الكُلُّ عندهم مجبُورون على أعمالهم وعلى جزائها. 166) وأهلُ السنَّة هم الوسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية، فأثبتُوا قدر الله الذي هو علمهُ ومشيئته، كما أثبتُوا اختيار العباد، الذي هو من قدر الله.